لا شك أنّ إنهاء الحرب الأهلية في سوريا هو أقصى أمانينا؛ فقد عانى كثيرٌ من السوريين وفقدوا كل شيء خلال الأعوام الستة التي مرّت عليهم في ظلّ الحرب الدائرة في بلادهم، كما تعرّضت حياتهم لدمارٍ شديدٍ، حاول ملايين من السوريين اللجوء إلى البلاد المجاورة، فضلاً عن النزوح الداخلي داخل بقايا بلادهم المُدمّرة.
وقد شكلت عملية السلام، التي اضطلعت بها محادثات أستانة، المبادرة الأهم على الإطلاق حتى هذه اللحظة؛ من أجل إنهاء هذا الصراع الرهيب، كما لعبت روسيا وتركيا وإيران أدواراً مهمة في محاولة جلب السلام إلى هذا البلد الذي مزقته الحرب، قدمت البلدان الثلاثة تنازلات من أجل جلب السلام إلى المنطقة، والوصول إلى أرضية مشتركة يمكن الانطلاق منها لإنهاء هذا الصراع.
وعلى صعيد النتائج التي أعقبت قمة سوتشي، حيث شاركت هذه البلاد، حددّت البلاد الثلاثة أولويات المزيد من التعاون من أجل القضية السورية، وقد جاء في تعليقات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة سوتشي فيما يتعلق بمستقبل سوريا: «سيتوجب على الشعب السوري أن يحددوا مستقبلهم بأنفسهم ويتفقوا على مبادئ دولتهم، من الواضح أن عملية الإصلاح لن تكون سهلة وسوف تتطلب تسويات وتنازلات من جميع المشاركين، بما في ذلك الحكومة السورية بكل تأكيد»، كما اتفقت هذه الرابطة الثلاثية على عقد مؤتمر حوار وطني سوري في ديسمبر في روسيا، يهدف إلى المساعدة في تأسيس وضع دستور جديد في سوريا وإجراء انتخابات جديدة يشارك فيها الأسد أيضاً.
على الرغم من هذا، يوجد خط أحمر لتركيا في هذه الاتفاقية يتعلق بألا يتضمن مؤتمر الحوار الوطني السوري مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الإرهابي على طاولة المفاوضات، حتى أن إمكانية مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في محادثات السلام - وهي منظمة ظلامية تشبه المافيا حصدت أرواحاً لا حصر لها في الشرق الأوسط خلال الأربعين عاماً الماضية - تعتبر مسألة في غاية الخطورة على صعيد السلامة الإقليمية لسوريا وحماية الإثنيات العرقية المختلفة التي تعيش في سوريا، فضلاً عن أن جهود الحزب لشرعنة نفسه باعتباره ممثلاً للأكراد، وهي بكل بساطة مساعٍ ترمي إلى الاستمرار في إرهاب الشعب السوري، لا ينبغي أن يُسمح بها بأي طريقة أو في أي شكل أو نمط؛ لا يمكن أن تصبح جماعة إرهابية ممثلةً لأي شعب، ولا يمكن أن يُسمح لها بالاختباء خلف ستارها المسمى بـ «الشرعية». من خلال محادثات أستانة وقمة سوتشي، أدركنا مرّة أخرى كيف يؤثر تشكيل تحالف إستراتيجي في وضع حدٍ لإراقة الدماء في المنطقة، ومن المهم للغاية اتخاذ تحركات موحدة وخطوات جريئة وحكيمة على صعيد السياسة الخارجية من أجل ضمان أمن المنطقة. وحتى إذا كانت الحرب في سوريا توشك على النهاية، فلن يستطيع البلد الذي مزّقته الحرب أن يعود مرة أخرى إلى سابق عهده قبل الحرب بين ليلة وضحاها، إذ يجب الإسراع في انتخاب حكومة انتقالية عن طريق الشعب، ومن الأهمية بمكان لروسيا وتركيا وإيران أن يشاركوا في إعادة تأسيس العملية، تستطيع تركيا أن تكون رائدة في هذه المساعي نظراً لنجاحها في قطاع التشييد؛ نتيجة لدورها الحيوي لبناء المنازل والمستشفيات والمدارس من أجل اللاجئين كي يكونوا قادرين على العودة إلى بلادهم. وعلاوة على ذلك، لكي يتمكن السوريون، الذين واجهوا ويلات الحرب وفقدوا عائلاتهم، من أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية، يجب أن يكون هناك برامج تدريبية أخلاقية وأيديولوجية مكثفة وملائمة للأفراد القادمين من جميع شرائح المجتمع، فالمسؤولية الكبرى تقع على عاتق هذا التحالف من أجل حماية المنطقة كي لا تواجه دماراً مشابهاً مرة أخرى، ويجب على الجميع أن يضع نصب عينيه حقيقة مفادها أن السلام قابلٌ للتحقيق من خلال العمل سوياً.
http://www.raya.com/news/pages/2b34d624-843b-434f-8774-f4f6a54d3d6b