يجد كثير من الناس صعوبة في فهم ثقافة الأنانية والتمركز حول الذات والحرص التي صارت سائدة بشكل متزايد في بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي يفترض أنها أكثر مجتمعات العالم عصريةً وإنسانيةً ومشاركةً. ثمة تفسير لهذا الموقف بكل تأكيد: إنها الشيوعية، وهي الأيديولوجية المتمركزة في أوروبا الغربية بنسبة 100%.
كانت المرة الأولى التي بدأ فيها فيلسوفان ألمانيان، وهما كارل ماركس وفريديك إنجلز، أن يفسرا تاريخ العالم حسب الصراعات الطبقية خلال القرن التاسع عشر. وكانت بريطانيا العظمى هي المكان الذي أُعِدّ ونشر فيه البيان الشيوعي. على الرغم من أن أفكار الشيوعية انتشرت بكل أنحاء العالم، وُضعت أسس هذه الممارسات وزُرعت وتحدثت بالضرورة في أوروبا. فقد كُتبت جميع البيانات، التي اجتذبت الحشود الغفيرة، في أوروبا. كما أن الأتباع الأوائل للشيوعية، مثل روزا لوكسمبورج وأوتو باور ورودلف هلفردنج وكارل كاوتسكي، جميعهم كانوا منظِّرين نشأوا في أوروبا.
كانت فكرة الاتحاد الأوروبي في الأساس امتدادًا للمقترح اليساري بتأسيس "الولايات الأوروبية المتحدة"، فقد اعتقد أوتو باور أن الرأسمالية الأوروبية ستُفضي في النهاية بدون أدنى شك إلى أن تكون الولايات الأوروبية المتحدة ذات التوجه الاشتراكي. كما عبّر ليون تروتسكي في كثير من المناسبات عن اعتقاده بأن اتحاد الدول الأوروبية سيكون أول مرحلة نحو أوروبا الشيوعية.
وشهدت السياسات الأوروبية وقوع كثير من السياسيين تحت تأثير الأيديولوجية الماركسية. على سبيل المثال: فرنسوا ميتران - وهو ثاني الاثنين اللذين خططا لوضع معاهدة ماسترخت، التي أسست الاتحاد الأوروبي رسميًا - وأيضًا جورجو بوليتاني - الذي شغل منصب رئيس إيطاليا لعشرة أعوام - كلاهما كانا ذوي خلفية ماركسية. كما نضع في عين الاعتبار أن بين الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، كان هناك سيكو مانسولت، وبول هنري سباك، وآلتييرو سبينللي، وجميعهم كانوا أتباعًا للأيديولوجية الماركسية أيضًا.
يوجد كثير من الحقائق التي لا يعلمها كثير من الناس، ثمة حقيقة مثيرة للاهتمام بما يكفي، تشير إلى أن البنية السياسية والتشريعات الإدارية للاتحاد الأوروبي تحمل على نحو متزايد تشابهًا غريبًا مع نظيرتها التي كانت لدى الاتحاد السوفيتي، وهي التي يُنادَى بها في كثير من الدوائر حاليًا. فيما انتقدت مجموعة يقودها فلاديمير بوكفسكي - الذي احتُجز في مستشفيات الأمراض العقلية ومعسكرات الاعتقال في الاتحاد السوفيتي لأكثر من 12 عامًا - تقارُب الاتحاد الأوروبي من الشيوعية. وقد وصل حد الانتقاد إلى درجة كبيرة جعلت بوكفسكي يزعم أن الاختلاف الوحيد بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد السوفيتي هو اسماهما.
كما قال بيتر ريف، أحد مستشاري حزب الاستقلال البريطاني، الذي أيد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: "إنني أؤمن صدقًا أن الاتحاد الأوروبي تحوّل إلى نظام شمولي، ويوجد ثورة ماركسية تحدث".
ما يمكن رؤيته بوضوح هو أن الماركسية لم تغادر أوروبا على الإطلاق، بل إنها تأثرت ببساطة بممارسات العالم عبر الأزمنة، وتكيفت وأعادت تشكيل نفسها على يد المُنظِّرين. بَيْد أن المُنَظِّرين، الذين ترى أعينهم العالم بيئةً من الصراعات المتواصلة ويعتمدون على هذه الصراعات للتطور، هيمنوا على المجتمعات الأوروبية في كل عهد.
وقد تأزم الموقف بشدة لدرجة أن كثيرًا من الأوروبيين أنفسهم لا يعلمون ماذا يمكنهم أن يفعلوا في النظرة العدائية التي ظهرت تجاه الثقافات المختلفة في بلادهم. من المؤكد أن ما حدث في الغرب هو نتاج طبيعي لصراع الثقافات الموجود في أساس الشيوعية. تجدر الإشارة على نحو خاص إلى أن الأشخاص يمكن أن يكون لديهم أي نوع من الأفكار أو الإيمان أو عدم الإيمان، وكل شخص حر في هذا الأمر. على الرغم من هذا، لا تخوِّل هذه الحرية لأي شخص أن يحاول أن يحكم العالم بوسائل تعتمد على صراعات الطبقات، مما يتسبب في الحروب والصراعات.
يجب أن تتوقف صراعات الشوارع، كما ينبغي أن تُترك وراءها في القرن العشرين تلك الأحلام الطوباوية للثورة. ينبغي أن يكون العالم مكانًا لا يبقى فيه على قيد الحياة الأقوياء وحسب، ولكن مكانًا يمكن أن يتعايش فيه الضعفاء والأقوياء. وإن لم يحدث ذلك، سيستمر ارتفاع أعداد الحروب، وأعداد الناس الذين يتضورون جوعًا في أفريقيا، وأعداد اللاجئين الذين يغرقون في البحر.
لقد تسببت الأيديولوجيات الماركسية في صراعات كافية داخل القارة العجوز، وينبغي على المجتمعات الأوروبية أن تكون نموذجًا للعالم، إذ أن أفضل ما يليق بهم هو أن يبقوا بعيدين عن الأنانية وثقافة المواجهة الموجودة بالشيوعية؛ فالعالم يتوق إلى مثل هذا النموذج من أوروبا.
http://www.raya.com/news/pages/ce3ebff2-08d1-45e1-b981-982fa42fa926