قبل‭ ‬15‭ ‬سنة،‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬مارس‭ ‬2003،‭ ‬قام‭ ‬تحالف‭ ‬عسكري‭ ‬متعدد‭ ‬الجنسيات‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬بغزو‭ ‬العراق،‭ ‬وكان‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬استند‭ ‬إليه‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬في‭ ‬تدخله‭ ‬العسكري‭ ‬هو‭ ‬تدمير‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬التي‭ ‬زعموا‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬يقوم‭ ‬بتطويرها،‭ ‬وقد‭ ‬أعلنوا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسية‭ ‬الأخرى‭ ‬وراء‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الدكتاتوري‭ ‬وإرساء‭ ‬دعائم‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬وترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬المعلن،‭ ‬أطلقوا‭ ‬على‭ ‬تدخلهم‭ ‬العسكري‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬تحرير‭  ‬العراق‮»‬‭.‬

‭ ‬قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬العملية،‭ ‬عرض‭ ‬توني‭ ‬بلير‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬الأسبق،‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬آنذاك،‭ ‬وثيقة‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬تقارير‭ ‬استخباراتية‭ ‬مضللة‭ ‬أعدها‭ ‬جهاز‭ ‬MI6،‭ ‬كي‭ ‬تستخدم‭ ‬كحجة‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬إقناع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وبلدان‭ ‬التحالف،‭ ‬بوجود‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬المزعومة‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء،‭ ‬أدلى‭ ‬بوش‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬المُتلفز‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬العملية،‭ ‬بالتصريح‭ ‬التالي‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬معلومات‭ ‬غير‭ ‬مؤسسة،‭ ‬قال‭ ‬فيه‭:‬

‮«‬الخطر‭ ‬واضح‭: ‬إن‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيماوية‭ ‬والبيولوجية‭ ‬أو‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬الإرهابيون‭ ‬بمساعدة‭ ‬العراق،‭ ‬قد‭ ‬يحقق‭ ‬لهم‭ ‬أهدافهم‭ ‬المعلنة‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬الآلاف‭ ‬أو‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭… ‬سنفعل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعنا‭ ‬لإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهم‭ ‬وإجهاض‭ ‬خططهم‭… ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬يوم‭ ‬الرعب،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يفوت‭ ‬الأوان،‭ ‬وسنتصرفُ‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬المناسب‭ ‬لإزاحة‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‮»‬‭.‬

ورغم‭ ‬الدليل‭ ‬المزعوم‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬جهاز‭ ‬MI6‭ ‬لتبرير‭ ‬الحرب،‭ ‬لم‭ ‬يوافق‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية،‭ ‬وكان‭ ‬رفْضُ‭ ‬التدخل‭ ‬يقوم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬الأدلة‭ ‬المقدمة‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬وغير‭ ‬مقنعة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬جرى‭ ‬الغزو‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭.‬

وخلال‭ ‬الغزو‭ ‬وطيلة‭ ‬السنوات‭ ‬التسع‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬لأسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬تلك‭ ‬المزاعم،‭ ‬تبين‭ ‬خلو‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأسلحة،‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقرير‭ ‬شيلكو‭ (‬Chilcot‭) ‬الخاص‭ ‬بالعراق‭ (‬المكون‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬مجلدا‭ ‬تم‭ ‬تجميعها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬ونشرها‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬تموز‭ ‬2016‭).‬

‭ ‬كان‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬أحد‭ ‬أشد‭ ‬الديكتاتوريين‭ ‬قسوة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬واستبد‭ ‬بشعبه‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بلا‭ ‬شفقة‭ ‬ولا‭ ‬رحمة،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬غرق‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬كارثي‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬عاشوه‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬وذاقوا‭ ‬أصناف‭ ‬القمع‭ ‬الوحشي‭ ‬والتعذيب‭ ‬والظلم،‭ ‬وأصبح‭ ‬العراق‭ -‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬رابع‭ ‬أكبر‭ ‬احتياطي‭ ‬نفطي‭ ‬في‭ ‬العالم‭- ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المجتمعات‭ ‬فقرًا‭ ‬وبؤسًا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬وعانى‭ ‬البلد‭ ‬برمته،‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة‭ ‬والخوف‭ ‬والإرهاب‭. ‬وبلغ‭ ‬سوء‭ ‬التصرف‭ ‬وفساد‭ ‬الذمة،‭ ‬مثل‭ ‬تفشي‭ ‬الرشوة‭ ‬والاختلاس‭ ‬وسرقة‭ ‬الدولة،‭ ‬مستويات‭ ‬مهولة‭. ‬وانتقلت‭ ‬ثروات‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬إلى‭ ‬جيوب‭ ‬وخزائن‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬وبعض‭ ‬المتعاونين‭ ‬المحليين،‭ ‬بينما‭ ‬اختفت‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬وتلاشت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬أي‭ ‬أثر،‭ ‬منها‭ ‬عدة‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬نقدًا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬أبدًا‭. ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاما،‭ ‬أمريكا‭ ‬دمرت‭ ‬بلدي‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب‭ ‬العراقي‭ ‬سنان‭ ‬أتون‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعتقد‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬بحالة‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عهد‭  ‬صدام،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬حرب‭ ‬أمريكا‭ ‬وتركته‭ ‬للعراقيين‮»‬‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬تقديم‭ ‬تقدير‭ ‬دقيق‭ ‬لعدد‭ ‬الوفيات‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬العراق‭ ‬بسبب‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬حددت‭ ‬التقديرات‭ ‬الأكثر‭ ‬جدية،‭ ‬هذه‭ ‬الحصيلة‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬مليون‭ ‬ضحية‭. ‬إن‭ ‬عصر‭ ‬التدمير‭ ‬والكوارث‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬انتشر‭ ‬لاحقا‭ ‬ليعم‭ ‬المنطقة‭ ‬بأكملها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انتشر‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬الذي‭ ‬قدِم‭ ‬كأحد‭ ‬الأسباب‭ ‬وراء‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬واستولى‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬أما‭ ‬ماكينة‭ ‬المجازر‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش،‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الظروف‭ ‬أثناء‭ ‬الغزو،‭ ‬فقد‭ ‬وسع‭ ‬من‭ ‬رقعة‭ ‬الإرهاب‭ ‬المتطرف‭ ‬وجعله‭ ‬يبلغ‭ ‬مستوى‭ ‬عالميا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬المأساوي‭ ‬اختلقت‭ ‬الأطراف‭ ‬المتورطة‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬صراعات‭ ‬وأعمال‭ ‬عدائية،‭ ‬وأججت‭ ‬لهيب‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التحريض‭ ‬الطائفي‭ ‬بين‭ ‬الشيعة‭ ‬والسنة‭.‬

https://www.azzaman.com/?p=232365

https://www.sasapost.com/opinion/iraq-invasion/

http://123news.co/opinions/972758.html