أعماق التاريخ لها أثر كبير على السياسات الخارجية للبلدان. هذا لا يمكن إنكاره. على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يرى التأثير ‘الاستعماري’ في تدخلات فرنسا السريعة في أفريقيا، التي ترى أنه لا حاجة للحصول على موافقة دولية. من ناحية أخرى، نحن ورثة الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت دائماً الناس من جميع الأديان والمعتقدات والأعراق في الأراضي التي فتحتها بعدالة كبيرة، عارضت الاستبداد واعتمدت سياسة خارجية لحماية الضعفاء والمضطهدين، واستطاعت احتضان إخواننا السوريين الذين يفرون من اضطهاد الأسد اليوم، وهذا ناجم عن العمق التاريخي. ردة الفعل التاريخية هذه جزء من طبيعتنا، لكن كشرط للتحليل الاجتماعي لأن ‘الذاكرة العامة ضعيفة’، يجب أن يكون لدى القادة الحكماء والمثقفين رؤية لاستدعاء الجوانب الإيجابية عند مجتمعاتهم وإظهارها بإسلوبهم الخاص.
على سبيل المثال، شعب العراق أسس واحدة من أعظم الحضارات في بلاد ما بين النهرين، التي تعتبر واحدة من أعظم المراكز السياسية والثقافية في تاريخ البشرية. كما أن للعراق جذورا تاريخية عميقة، وبعد أن دخل الإسلام، أصبح واحداً من أقوى المدافعين عن إيماننا. العراق يمتلك نضجا تاريخيا ودينيا كبيرا، وكان قادراً على العيش في سلام مع العرب والأكراد والتركمان منذ آلاف السنين، لذا من الصعوبة الهروب من مناخ الاضطراب الذي سقط فيه اليوم.
في حقبة ما بعد صدام، وقع العراق تحت تأثير الضغوط السياسية والعسكرية الثقيلة، وأيضاً الدعاية المضادة وعشرات الدول التي تريد أن تأخذ نصيبها من البترول وغيره من الموارد الجوفية فيه. نظراً لهذا الضغط، لابد من أن نتذكر جوهر العراق الخاص وعمقه التاريخي أكثر من غيره من البلدان الإسلامية.. لماذا؟ لأن بعض البلدان تعتقد أن مصالحها الخاصة في العراق ستتضرر إذا خرج من هذا الاضطراب، وهم يدركون تماماً أن أفضل طريقة لإضعاف وتدمير أي أمة هو تحريض تلك الأمة ضد عناصرها. هذا عملي أكثر، في غياب العدو، للشيعة، السنة أو التركمان لينظر إليهم كعدو. ما يلزم القيام به في أعقاب هذه الأعمال الدعائية والاستفزازية أن يستلقوا وان يقولوا، ‘يا عزيزي، ليتك لم تقم بذلك’. هذا ما يحدث اليوم. منذ أن غادرت القوات الأمريكية العراق، الناس الذين كانوا يعيشون بسلام أصبحوا الآن يقتلون بعضهم بعضا، يقصفون مساجد بعضهم بعضا ويهاجمون أخوتهم! وفقاً لتقرير مجلة أمريكا اليوم، العنف يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وفقاً لقناة الجزيرة، إذا استمر هذا الوضع، سيكون من المستحيل على العراق تجنب الحرب الأهلية في عام 2014.
هذا الوضع مؤلم وغير مقبول لبلد مسلم لديه كل هذا التراث كالعراق. هناك العديد من الشخصيات البارزة في البرلمان العراقي تسعى لإيجاد حل وتهدئة الصراع الأهلي الذي حُرض تحت ستار الصراع الطائفي، ولكنهم يجدون أنفسهم في حيرة بشأن كيفية القيام بذلك. ‘إهدأوا وتماسكوا معاً’، العراق يتعامل مع متطرفين طائفيين عنيفين، وليس مع أطفال طائشين.
مع هذا، الحل واضح: العراق يجب أن يعود إلى جذوره. زعماؤه يجب أن يشددوا على ذلك وأن يقولوا: ‘علينا أن نتذكر عمقنا التاريخي، فلنتذكر أوامر إيماننا. نحن نؤمن بإله واحد، ورسوله ونفس الكتاب. أكرادا أو شيعة أو سنة، هذه القيم الأساسية تأمرنا أن نكون متحدين. عدا عن ذلك، الاختلافات تعتبر مصدراً للثروة بالنسبة لنا. إذا كان هناك إرهاب، إذا كانت السيارات تنفجر، إذا كان هناك هجوم، إعلموا أن هذه مؤامرة، فلنكن على علم بذلك. فلنعتن ببعضنا بعضا. لنتصدى لهذه الحيل. ليس هناك أي وسيلة أخرى لمنع هذه المأساة إلا بالاعتماد على الله واتباع الطريق الذي هدانا اليه’.
ما لم يتم إدراك ذلك، فلن يجدوا حلاً بالمناوشات والمقارنات بين الحكام السنة بعهد صدام حسين والحكام الشيعة بإدارة المالكي.
البرلمان العراقي يجب أن يتوحد مع صانعي الرأي ويبني برنامجا يجمع الأمة معاً حول عناصر موحدة من صميم إيماننا العظيم. يجب إعلان التعبئة للتعليم وتطهير الناس من التعصب. يجب أن يعلم القادة الذين يتمتعون بهيبة أن كل كلمة يقولونها في أعقاب حادث هي ذات أهمية قصوى وأنه يجب عليهم نشر رسائل عن الوحدة، والدعوة للسلام والاعتدال.
الذين يشجعون على الصراع في العراق بحاجة إلى معرفة أن الشر لا ينتج سوى المزيد من الشر. أصبح العالم الآن مكاناً أصغر بكثير، ولا شيء محليا بعد الآن. مثل تأثير الفراشة، شيء يحدث في ركن من العالم سوف يجول ويعود إليك مرة أخرى. الإستراتيجية القائلة ‘دعني أكن قوياً ودع جاري ضعيفاً’ يجب أن ترسل إلى قمامة التاريخ كطريقة تفكير غبية عفا عليها الزمن: هذا وقت مبدأ، ‘جاري قوي يعزز قوتي’ هذا المبدأ الآن، بنفس الطريقة التي تعرف فيها الناس على الحضارة مع انتشار الإسلام والقرآن بعد ظلام العصور الوسطى، يمكن الآن نفعل شيئا من هذا القبيل بتوحيد إيماننا بالله. الوقت حان لتبني الناس عالماً غير محاط بالحدود الرسمية، حيث لا يوجد أي فرق بالعرق أو العقيدة أو الثقافة، بل عالم فيه الناس متحدون برخاء وسعادة.
.