هارون يحيى
عملية درع الفرات التي بدأتها تركيا بعد عبور الحدود السورية في جرابلس ومن بعدها منبج، ليست عملية حديثة التخطيط، لقد راقبت تركيا عن كثب تطورات الأوضاع بالقرب من الحدود لمدة طويلة، وأفصحت عن تكوين المنظمات الإرهابية بالقرب منها، وأعلنت باستمرار عن الحاجة لمنطقة عازلة على الحدود.
واستمرت الولايات المتحدة خلال تلك المدة في تسليح وحدات الدفاع الشعبي YPG بشكل معلن، ونشرهم بالقرب من الحدود التركية من جهة، ثم في نفس الوقت طمأنة الجانب التركي، مع استمرارها في دعم المنظمات الإرهابية رغم إصرار تركيا من جهة أخرى، تعدت وحدات الدفاع الشعبي المنطقة الغربية لنهر الفرات، والذي اعتبرته تركيا الخط الأحمر الذي يجب على المنظمات الإرهابية عدم تخطيه، لكن تلك المنظمات استمرت في التواجد في هذه المنطقة رغم وعود الولايات المتحدة لتركيا بتنفيذ عملية درع الفرات التي كانت على جدول الأعمال لسنوات.
في أحد مقالاتنا السابقة ذكرنا أنَّ تقوية تركيا لعلاقاتها مع روسيا كانت خطوة أولى مهمة من أجل الوصول لحلٍ دائمٍ في سوريا، وقد بدأنا للتو في رؤية آثارها، فالعملية التي تجري بالتعاون مع روسيا، تهدف للقضاء على خطر تقسيم سوريا، ولإقامة منطقة عازلة تحل مشكلة اللاجئين، والتي تحولت لأزمة عالمية، وفيما يخص مستقبل سوريا، أصدرت تركيا تصريحًا: "يُمكن مُخاطبة الأسد كطرف خلال الفترة الانتقالية، لكن مستقبل سوريا يعود للسوريين تقريره".
ولتصريح وزير الشؤون الخارجية الروسي لافروف بخصوص تلك النقطة أهمية بالغة، إذ صرح قائلًا "حكومة دمشق مستعدة للقاء المعارضة". ويبدو الاقتراب خطوة نحو الحل من خلال إجماع تركي، روسي، أمريكي، على الحفاظ على وحدة سوريا، واستئناف محادثات السلام تحت تلك الظروف، أمرًا يُمكن تحقيقه.
يجب التأكيد على هذا: نحن ضد أية عملية عسكرية تهدد حياة المدنيين تحت كل الظروف وفي كل الأوقات، نحن نُفضل الدبلوماسية دائمًا، والمفاوضات المشتركة، والتعليم، من أجل الوصول لحل، وقد ذكرنا هنا أيضًا أنَّه بخلاف ما زعمته وسائل إعلام بعينها، فإنًّه لم يُقتل مدنيون خلال تلك العمليات.
هذه حملة بروباجندا ممنهجة ودنيئة، وأحد وسائل الحرب النفسية التي تشنها كيانات إعلامية مناصرة لحزب العمال الكردستاني، وبجانب ما قالته هذه الكيانات الإعلامية فإنها عجزت عن توفير أي دليل يُثبت ادعاءاتهم، وكل ما نشرته الصحافة كانت صور السوريين وهم يستقبلون الجيش التركي بأذرع مفتوحة، والجنود الأتراك يوزعون المساعدات بين السكان.
تلتزم تركيا بكل تأكيد بإبادة أي تواجد لعناصر إرهابية على حدودها، ولكن نظرًا لانتماء وحدات الدفاع الشعبي بشكل مباشر لحزب العمال الكردستاني، فإن مسألة وحدات الدفاع الشعبي تُعد شأنًا داخليًا لتركيا بالكلية، ولهذا كانت عبارة الرئيس أردوغان "ستستمر العمليات حتى تتوقف وحدات الدفاع الشعبي عن تشكيل خطر لمواطنينا" ذات معنى.
دعونا نُعطِ هؤلاء غير المدركين لخطورة تهديد حزب الاتحاد الديمقراطي تذكيرًا، الهدف الرئيسي لحزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري، وحدات الدفاع الشعبي/ حزب الاتحاد الديمقراطي، هو تدمير الوحدة السورية، والتركية، والعراقية، وتمزيق هذه الدول، وإعلان نظام ستاليني في المنطقة عبر التضحية بالشعب الكردي، ونأمل أن تكون تلك الحركة التي بدأتها تركيا، والتي تُدرك تمامًا الآثار التي سوف تتبع تلك الكارثة، ستنتج آثارًا محمودة في سوريا، وستساعد دول المنطقة على إدراك هذا الخطر بشكل أفضل.
وبينما تقرأ هذا المقال، ربما ستكون عدة مراحل من عملية درع الفرات قد نُفذت، ونأمل أن يكون الخطر الذي يهدد المنطقة قد تم تجنبه بدون خسائر بشرية، وأن تكون فرصة إقامة منطقة عازلة على الحدود قد تحققت، وأن تكون الخطوات الملموسة لتحقيق حل دائم في سوريا قد اتخذت.
http://www.harunyahya.com/en/Articles/229003/Preventing-Syrias-disintegration