هل حقّا سيتوقّف الإرهاب في تركيا؟
بقلم: هارون يحيى
بمجرد دخول الإرهاب إلى أيّ بلد تنقلب الأوضاع فيه رأسا على عقب. مع مرور الوقت تصبح مسألة التفجيرات الانتحارية في الباصات والأسواق مسألة عاديّة. وعندما ترسل الأم ابنها لأداء الخدمة العسكرية، فهي في الحقيقة ترسله إلى الموت. يصبح حظر التجوّل والصلاحيات الاستثنائية أحداثا يوميّة عاديّة، والعيش في مناخ من الإرهاب يعني هدر أرواح المئات من النّاس بطريقة جبانة.
الإرهاب جبان، فهو يضرب عل حين غرّة ويختار الأهداف السّهلة، وجميع أشكال الإرهاب مرفوضة ومنكرة. ولكن الإرهاب الشيوعي هو أحد أشرس أنواع الإرهاب المتجذّرة في أعماق هذا الفكر من أجل فرض نظام بعينه على الآخرين بالقوّة والعنف. ليس هناك حدّ للعنف في الإرهاب الشّيوعي.
لقد عاشت تركيا في هذا الإرهاب الشيوعي المروع لمدة تزيد على 35 عامًا، ولقد كان هذا الإرهاب بمثابة الكابوس المخيم على مناطق جنوب شرق تركيا على وجه الخصوص، وكان يصل بين الحين والآخر إلى المدن الكبرى. استشهد نتيجة هذا الإرهاب 35576 من المواطنين الأتراك، وأجبر 386,360 على مغادرة منازلهم، وتم إنفاق ملايين الدولارات لمجابهة هذا الإرهاب.
لقد أثار القرار الذي صدر في الأسابيع الأخيرة بشأن عقد مؤتمر في أبريل الحالي، بخصوص دعوة عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا، والمتعلق بنزع سلاح الحزب مختلف الأوساط في تركيا والخارج. وقد وصف بعض المعلقين ذلك بمثابة إعلان الإرهاب عن هزيمته في تركيا بعد أن كلف البلاد الكثير من الخسائر. وامتد الاتّحاد الأوروبي هذه الخطوة كما امتدحتها الولايات المتحدة، وساد جو عام من الارتياح في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، فحقيقة الأمر أن حديث حزب العمال الكردستاني عن نزع سلاحه لا يعدو أن يكون أكثر من مناورة من قبل زعيمه عبد الله أوجلان، وذلك سيرا على النهج نفسه الذي سلكه من قبله ستالين والذي كرّس جهوده لمناهضة الدّعوات الدّينية والإيمانية، ولكنه وقع اتفاقية مع الكنائس تسمح ببناء كنائس جديدة، أو مثل لينين الذي كان منتقدًا لاذعا للنّظام الرأسمالي واعتمده في نفس الوقت كسياسة اقتصادية لفترة من الوقت. الشّيوعيون لا يتورّعون عندما يتعلق الأمر بتطبيق تكتيكات ومناورات مختلفة كجزء من نظرية لينين "خطوتان إلى الأمام، خطوة إلى الوراء" وخصوصا عندما يتعلق الأمر بنشر أيديولوجيتهم الشيوعية.
حزب العمال الكردستاني منظمة لينينية -ستالينية إرهابية تسعى إلى بناء دولة شيوعية عن طريق تقسيم تركيا إلى عدة مناطق. اعتاد الحزب منذ التّسعينات أن يرتدي قناع الامبريالية من أجل كسب ودّ الغرب، وعلى الرّغم من أنه غير تكتيكاته إلا أنه لم يتخلّ قطّ عن هويته الشّيوعية. تم الاتفاق على وقف إطلاق النّار في سبع مناسبات سابقة، وفي كل مرة يتم إفشال هذه المحاولات لنزع السّلاح ووقف إطلاق النّار على الأرض منذ عام 1993م من خلال الهجمات المختلفة التي نفذها الحزب. وكان شرط "إلقاء سلاح حزب العمال الكردستاني" من أهم الشروط في إطار عملية السلام التي بدأت في عام 2009م، ولكنّه لم يطبّق إلى حد الآن.
ينبغي علينا إلقاء الضوء على بعض الاعترافات بهذا الخصوص؛ جميل بيك، أحد قادة حزب العمال الكردستاني، يقول "لا توجد أية ظروف تجعلنا نلقي السّلاح، وضع أسلحتنا يعني الاستسلام، وهذا يعني الموت ". أما دوران كالكان، وهو عضو في المجلس التنفيذي للمنظمة، يقول "نحن لا ننظر إلى الدّعوة لإلقاء سلاح الحزب بعين الأهمية أو الجدية، نحن لا نريد حتى مناقشة الأمر، والحزب لن يلقي سلاحه أبدًا". أما العضو القيادي الآخر زيباط أندوك فيقول "نحن منخرطون في الكفاح المسلح ضد الجمهورية التركية ولن نلقي سلاحنا أبدًا". ويقول صبري أوك، وهو عضو آخر في قيادة المنظمة إنهم كمنظمة لينينية، يشنون حربا ضد الاستعمار ويعترف بأنّ هذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال قوة السّلاح "نحن منظمة تعرف جيدًا كيف تحمل السلاح ضد الاستعمار، ومن المستحيل بالنّسبة إلينا إلقاء سلاحنا ما دامت مبررات حملنا له قائمة".
ينبغي على الناس أن يدركوا ذلك تماما. لقد حصل حزب العمال الكردستاني على ما وصل إليه اليوم بقوة السّلاح، فقد سيطر على جنوب شرق تركيا ومارس ضغطا على السكان المحليين من خلال قوة السّلاح. ولم يكن وجود حزب في البرلمان التركي يتمتع بدعم حزب العمال الكردستاني الكامل ممكنا إلا من خلال قوة السّلاح. إن نجاح الحزب في الجنوب الشرقي في الانتخابات المحلية لم يكن ممكنا إلا من خلال قوة السّلاح وليس عبر الدّيمقراطية. واضطر الناس هناك للتصويت في هذا الاتجاه تحت تهديد السلاح. وحتى ما يجري الآن من محادثات ومفاوضات بين الحكومة التّركية الحالية وبين حزب العمال الكردستاني والتفاوض مع قاتل مثل أوجلان لم يكن إلا نتيجة لقوة السّلاح، ومن الصّعب الاعتراف بذلك لكن هذه هي الحقيقة.
بالطبع كان حزب العمال الكردستاني دائما على موعد مع الهزيمة في قتاله للجيش التّركي، لكنّه لطالما استخدم سلاحه دائما كورقة ضغط مفيدة. إن المنظمة الشيوعية تعرف تماما أنّه إذا تخلت عن سلاحها، لن تكون لها أية وسيلة لمواصلة نضالها، كما تعرف هذه المنظمة كذلك أنّه من المستحيل أن تبسط هيمنتها الأيديولوجية على أمة متديّنة مثل تركيا، وبالتالي تلجأ إلى السّلاح وسيلتها الوحيدة لفرض هذه الأيديولوجية.
يحاول حزب العمال الكردستاني إقامة الحكم الذّاتي السري من خلال توجيهاته المعروفة باسم 'عشر بنود" تحت ستار نزع السلاح. كان يرغب في القيام بذلك من خلال تعزيز الإدارات المحلية وإعادة تعريف مفهوم "الدّولة". ويطمح أن تتبنى الجمهورية التركية التّعريف "الحقيقي" للدّولة من خلال منظمة إرهابية. إن الإشارة إلى تقوية الإدارات المحلية قد يبدو بريئا لدى الاتحاد الأوروبي، وسوف يبدو وكأنه تكتيك يستحق الدّعم. ولكن الاتحاد الأوروبي ربما لن يفهم الكارثة التي ستحل من خلال السّماح بالهيكلية الشّيوعية على الأراضي التركيّة إلا بعد فوات الأوان.
لهذه الأسباب، ينبغي على بعض الأوساط في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة ألا تقع في خطأ يمكن يتسبب في أفظع العواقب. وليس سرّا أن حزب العمال الكردستاني تم تسليحه من قبل الولايات المتحدة تحت ذريعة الهجوم على كوباني. وإذا فشلت الولايات المتحدة وأوروبا في معرفة النية الحقيقة وراء الحديث عن نزع سلاح حزب العمّال الكردستاني في تركيا، والإدراك بأنه ليس أكثر من حيلة يجري إعدادها لعمل انتفاضة شيوعية تحت قناع "الهوية العرقية” فعندئذ يكونون قد ساهموا في دعم حرب وحشية ستترك أثرها على العالم كله.