بعد سنة من الانقلاب الفاشل
ucgen

بعد سنة من الانقلاب الفاشل

804

قبل عام مضى، عاش الشعب التركي ليلة مليئة بالفظائع المهولة، بلغت من الخطورة درجة يمكن الجزم بأنها ليلة لم يسبق لأحد في العالم أن عاش مثلها، كانت بدايتها، إقدام مجموعة من المغامرين الإرهابيين، يتقمّصون زي الجنود الأتراك، بمحاولة السيطرة على البلد وتوجيه أسلحتهم الفتّاكة نحو صدور الأبرياء من الشعب التركي، الذي تصدّى لهم بكل شجاعة ونكران للذات.

الحقيقة التي أثبتتها تطوّرات الأحداث، أن المتآمرين المنفّذين لمحاولة الانقلاب كانت لديهم إستراتيجية مفصّلة جداً تم التخطيط لها بعناية فائقة. وقد ضمنوا - قبل تنفيذ مخططهم - كسب جميع المناصب الرئيسية تقريباً في الجيش، واشتروا ذمم العديد من الأتباع لمساعدتهم في تنفيذ هجومهم الشنيع، فضلاً عن حيازتهم عدداً من الدبابات الأكثر تطوراً في العالم، والمقاتلات النفاثة، وطائرات الهليكوبتر، والمدافع الرشاشة (التي دفع ثمنها الشعب التركي)، بالإضافة إلى الصلة المشبوهة التي كانت تربط المتآمرين بجهات معيّنة في بلدان مختلفة، لم تخف تطلعها بحماسة لنجاح الانقلاب. في واقع الأمر، كان من الممكن جداً أن تنجح هذه المحاولة للانقلاب على السلطة الشرعية، ومن نافلة القول التذكير بأن تركيا شهدت العديد من الانقلابات من قبل، نجح خلالها المتآمرون في إسقاط الحكومات الشرعية المنتخبة.

ورغم المخطط المحبوك، أثبت الرئيس رجب طيب أردوغان، أنه قائد حقيقي، رافضاً الاستسلام مهما كانت الظروف والمحن، ورغم حيازة هذه المجموعة من القتلة ترسانةً هائلة من القنابل والصواريخ المضادة للدبابات والخارقة للدروع وقنابل الفوسفور و167 قنبلة يدوية و8 بنادق آلية وأكثر من 30 ألف رصاصة، للنيل من الرئيس وأفراد أسرته، لم تهن عزيمة الرئيس، فتوجّه في تلك الظروف المشوبة بالمخاطر، بخطاب عبر قناة تليفزيونية عن طريق فايس تايم إلى الشعب التركي وحثه على الخروج إلى الشوارع.

لم يستسلم الشعب التركي قط للضغوط، ولم يخضع يوماً في تاريخه، وكان واضحاً أنه لن يستسلم اليوم، ولهذا بمجرد سماعهم دعوة زعيمهم، تدفق المواطنون من مختلف الأعمار والفئات، لملء الشوارع، فخرج الأجداد والجدات، جنباً إلى جنب مع أطفال المدارس الابتدائية، وربات البيوت والمراهقين، تدافعت أمواج بشرية تقدّر بالآلاف من الأتراك المتحمّسين والغيورين على بلدهم، جابوا الشوارع للدفاع عن بلادهم وعن الديمقراطية.

كان مخطط المتآمرين مفاجئاً، لم يكن يتوقعه أحد، فالخونة الذين كانوا يرتدون لباس الجيش التركي، أقدموا دون أن ترمش لهم عين، أو يؤنبهم ضمير، على توجيه فوهات أسلحتهم صوب صدور الأبرياء من الشعب التركي الأعزل من أي سلاح، مستخدمين ضدهم الدبابات، مع إطلاق النار عليهم عشوائياً، في الوقت الذي كانت فيه طائرات الهليكوبتر تلقي عليهم القنابل.

ومع ذلك، كان من الممكن جداً لولا موقف الرئيس أردوغان والشعب التركي الشجاع، نجاح القائمين وراء محاولة الانقلاب والسيطرة بالفعل على البلاد وإغراق المنطقة بأسرها في حالة من الاضطراب، لكن لم يحدث ذلك، فما هي إلا ساعتين فقط بعد المحاولة، حتى وقف الشعب التركي في مقاومته الباسلة للانقلابين، وتقدّموا بشجاعة ليتصدوا بأجسامهم للدبابات، وهم يصيحون «إذا لم يكن هذا هو يوم الموت، فمتى يكون إذن؟»، عندئذ أدرك الخونة جسامة الخطأ.

ومثلما صرّح الرئيس أردوغان فإن «الأمة التركية قد تصدّت بفضل ما تملكه من إيمان، لأكثر الأسلحة تطوراً في العالم، وليس هناك مثيل لما قام به الشعب التركي، عندما أوقفوا الرصاص الحي بصدورهم العارية».

وبعد مرور عام، تم الاحتفاء بهذه الليلة المشرفة في جميع أنحاء تركيا، في جو من الفرح والفخر والشرف.

يتم عادة، عندما يحدث انقلاب في بلد ما، الإطاحة بالرئيس، وإسقاط الحكومات، وحل البرلمانات، لكن هذه المرة كان الوضع مختلفاً، في هذه المرة، انتصرت الديمقراطية، في هذه المرة انتصرت الحضارة والحريّة والإيمان. لقد رفض الرئيس أردوغان، الخضوع والاستسلام لموت وشيك، وتمكّن الشعب التركي الذي وضع ثقته في رئيسه، من إحباط محاولة الانقلاب. والآن، من خلال هذه التجمّعات، يدخل الرئيس أردوغان تركيا عهداً جديداً، وسيمثل تاريخ 15 يوليو الآن رمزاً لتركيا الجديدة، ووجهة جديدة لمستقبل أفضل وأكثر إشراقاً.

إن الأمة التركية، التي أنقذت بلدها قبل عام، توجّهت في اليوم التالي من المحنة إلى أماكن عملها، لتزاول نشاطها، من دون أن تنتظر الشكر أو المدح من أي جهة، لقد أثبت الأتراك ولاءهم لله، ولبلدهم، ولبعضهم البعض ولقادتهم. لقد أثبتت التجمّعات بعد عام واحد، أن المؤامرات، وخطط الغزو، والسياسة القذرة ضد تركيا سوف تفشل لا محالة، مهما كانت درجة حبك تلك المخططات وتفاصليها الدقيقة وسريّة تنفيذها.

http://www.raya.com/news/pages/50ac545f-d24f-413d-b519-c0b602cff394

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo