اليونان: صديقتنا القديمة
ucgen

اليونان: صديقتنا القديمة

1621

عندما انتهت الحرب العالمية الأولى وخلّفت وراءها أثر الخراب المروع، جلست البلاد المتحاربة لتصفية الحسابات مع بعضها البعض على طاولة الاجتماعات الهادئة، وقد شهدت الآثار التي جاءت في أعقاب هذه الحرب الشنعاء، التي أدت إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية، تشكيل تركيا الجديدة. توصلت هذه الدولة الوليدة لاتفاق مع دول الحلفاء في لوزان، وُضعت الحدود لتركيا الجديدة خلال هذه المرحلة، بالإضافة إلى حدود اليونان أيضًا، كما وُضعت في معاهدة لوزان الصيغة النهائية للقضايا العالقة بشأن الأقلية التركية التي تُركت في هذه المناطق.

تناول الجدال الأخير بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أصبح أول رئيس تركي يزور اليونان منذ 1952، وبين الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس مسألة الأقليات التي تم تقريرها مع معاهدة لوزان.

لم تتوقف معاهدة لوزان، منذ توقيعها قبل 94 عامًا، عن أن تكون مسألةً مثيرة للجدل، فقد وُقّعت الاتفاقية وسط جدالات متوترة وشاقة وفي بيئة مشحونة كان كل بلد يرغب خلالها في تمزيق البلد الآخر، وعلى الرغم من أن الاتفاقية وقّع عليها 11 طرفًا، كانت النزاعات الحقيقية دائمًا بين بريطانيا وتركيا، وعلى الرغم من أن بريطانيا كانت دائمًا في المقدمة خلال تفكيك أراضي الدولة العثمانية والاحتلال اللاحق لإسطنبول، فإن المثير للدهشة أن الأتراك واليونانيين يعادون بعضهم بعضًا، وعلى الرغم من أن بنود المعاهدة التي تتعلق باليونان حددتها بريطانيا في لوزان، فقد تم التلاعب بنفس الحيل، ولسنا في حاجة لأن نقول إنه في عرين الأسد الذي شهد مثل هذه الخصومات، لم يتم التوصل إلى حلول كاملة لعديد من القضايا. وبكل تأكيد، مثلما ذكر رئيسنا السيد أردوغان أنه حتى أي اضطراب بسيط على أي جزيرة صغيرة تقع على شواطئنا كان كافيًا لإحداث توتر بين تركيا واليونان حتى فترة قريبة، لا شك أن ثمة حاجة لإنهاء هذا التوتر. ورغم ذلك، هل من الحصافة حقًا أن نعيد النظر في معاهدة وُقِّعت منذ 94 عامًا، عندما كان العالم فيما يبدو يعاني من حالة مشتركة من غياب العقل، ناهيك عن ذكر الحقيقة التي تقول إنها كانت اتفاقية وُقِّعت تحت رعاية البريطانيين؟

بالتأكيد لا، إذ إن السياسات الكلاسيكية والدبلوماسية الحذرة قد تتطلب الاقتراب من شؤون الدولة والمعاهدات الدولية في ضوء المعاهدات القديمة، على الرغم من ذلك، لا يمكن لعالمنا في الوقت الحالي أن يتحمل المناورات السياسية الكلاسيكية. وفي الواقع، لم يتوصل أي بلد في العالم لأي حل عبر هذه الطرق، وخاصة في يومنا هذا، في الوقت الذي تعاني فيه تقريبًا كل منطقة من مناطق العالم بطريقة ما من مشكلات تتطلب حلولًا عاجلة، يتضح لنا أن الاستراتيجية في حاجة إلى أن تتغير وأن يتم تفضيل الصداقات على الروايات السياسية القديمة القاسية.

إن تركيا واليونان بلدان شقيقان، والأتراك واليونانيين شعبان شقيقان، فكلا الشعبين متشابهان في عديد من الأشياء؛ فعاداتنا وتقاليدنا وأزياؤنا وأكلاتنا وثقافاتنا وعلاقاتنا العائلية وكرم الضيافة ووفاؤنا وشعورنا القوي بالصداقة والأخوة جميعها متشابهة، ويمكن أن نقول إن الأتراك واليونانيين زندان في وعاء، يمتلك كثير من اليونانيين أصولًا تركية، كما أن كثيرًا من الأتراك أيضًا لديهم أصول يونانية. بعبارة أخرى، اليونانيون هم أشقاؤنا، وشقيقاتنا، وأصدقاؤنا، وأقاربنا.

وبمجرد إزالة العوائق السياسية وتشكيل الصداقات الحقيقية، ستأتي البقية بسهولة، وفي أعقاب ذلك، لن تكون هناك أي مشكلة بسبب جزر بحر إيجه أو التعقيدات التي تتعلق بحقوق الأقليات.

من المهم أن يتكرر هذا الاجتماع، الذي بدأ بنوايا صادقة لإظهار يد الأخوة الممدودة، قبل أن تطغى عليه المناقشات المتعلقة بمعاهدة لوزان. وفي الواقع، سيكون رائعًا إذا دُعي الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس ورئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس إلى تركيا بينما لا تزال التغطية الإعلامية نشطة. سوف توضح الدعوة أن البلدين ملتزمان بالصداقة أكثر من المكاسب السياسية، وأنهما عازمان على إحباط مؤامرات تلك الأطراف التي تتربح من الشقاق بين تركيا واليونان. من المهم أن تتكرر هذه الزيارات وأن تكون مدعومة بالصداقات والاتفاقات التجارية، وهو ما سوف يفضح أي مؤامرة عبر إظهار الصداقة الحقيقية. تستهدف تركيا مساعدة اليونان كي تتطور وتصبح أقوى معها، بغض النظر عن هذه الدوائر التي ترغب في تحقيق الربح من سقوط اليونان.

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo