سيجلب "الاتحاد التركي- الإسلامي" ، بإذن الله تعالى، خلال القرن الواحد والعشرين السلام والأمن اللذين ينشدهما العالم. وسيقوم هذا الاتحاد على أساس المحبة والأخوة والرحمة والتسامح والتعاون. وهو يهدف إلى توفير الرفاه الاقتصادي والحياة الديمقراطية والعدالة. وهذا الاتحاد الذي يسمى "الاتحاد التركي- الإسلامي" سيسمو بالقيم المعنوية وينهض بالعلوم والتكنولوجيا والمعرفة إلى أعلى المستويات.
هذه الاتحاد الذي سيبنى على المحبة والأخوة والأخلاق الإسلامية سيجمع تحت سقف واحد أناسًا يتكلمون لغة واحدة ويدينون بالدين نفسه، لكنه أيضًا سيحتضن أصحاب اللغات والديانات المختلفة. وأفضل صورة تظهر فيها هذه الوحدة نراها جليًا في الدولة العثمانية التي نُعتبر نحن ورثتها.
ففي ذلك العهد كان العثماني اليهودي أو الأرمني في جيشه لا يقوم بأي فعل من شأنه أن يمس بعبادة أصحاب الديات الأخرى، كما لم يكن يتعرض لأماكن عبادتهم بأي سوء. وقد بين القرآن الكريم وهو الكتاب المقدس في الإسلام بأنه يجوز مؤاكلة أهل الكتاب ويجوز كذلك التزوج من نسائهم، ولم ير أي بأس من معاشرتهم ومخالطتهم. وطبقت الدولة العثمانية هذه القيم بكل صرامة، وبالإضافة إلى ذلك كان لكل فرد الحرية في أن ينتسب إلى الجهة التي يريدها. ولذلك عاشت هذه الوحدة زمنًا طويلاً.
ويتعين علينا هنا أن نشير إلى أن ما نبينه في هذه المجلة، لا يعني على وجه الإطلاق بعث الدولة العثمانية من جديد، بل هو اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي الذي يجمع مجموعة من الدول. وهذا الاتحاد يحافظ على نظامها الإداري وحدودها، وفي الوقت نفسه يكون قائما على المحبة والأخوة.
يمكن أن نشبه "الاتحاد التركي –الإسلامي" بالعائلة الواحدة، وفي داخل هذه العائلة يكون كل فرد حرًا. بإمكانه أن يتصرف كما يشاء، ويتخذ القرارات التي يريدها، غير أن كل فرد يتعامل إزاء كبير العائلة بمحبة واحترام شديدين. وفي حالة حدوث أي خلاف أو نزاع يتم اللجوء إلى كبير العائلة ويؤخذ رأيه ومشورته. هذا هو الاتحاد الذي سيقوم، وهذه هي الروح التي يجب أن يتميز بها.
فالمهم هو أن تسود القيم التي كانت موجودة لدى الشعب العثماني وكذلك لدى الدولة العثمانية، بمعنى أن يعيش الناس في أخوة وصداقة، وأن يسود مناخ جديد ملؤه السلام والثقة.
لقد كشفت لنا الإدارة العثمانية وتجربتها في هذا المجال أنه بالإمكان توفير الأمن والسلم في الأماكن التي تسود فيها التوترات عندما تكون هناك رغبة في ذلك. ولا شك أن هذا التعاون الصادق ستمتد ثمراته لتشمل أراضي مباركة مثل الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وآسيا الوسطى ووسط أفريقيا وشمالها والشرق الأقصى. وبذلك تتأسس وحدة إقتصادية وثقافية وسياسية قوية.
سيساهم "الاتحاد التركي- الإسلامي" أكثر في توثيق العلاقات بين الدول الإسلامية وأوروبا. وسيتمكن كل طرف من حل الصعوبات التي تعترضه في علاقته بالطرف الآخر بكل سهولة. هذا البناء الذي يُبنى على أساس المحبة يجعل كل طرف يحفظ حق الطرف الآخر ويراعي مصالحه ويحميها. وعلى هذا النحو ترقى الدول الأعضاء في هذا الاتحاد إلى مستوى كبير من الرفاهية، وكذلك بقية دول العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاتحاد ستكون له علاقات سليمة وبناءة مع المنظمات العالمية الموجودة في الوقت الراهن مثل الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي والدول الصناعية الثمانية. وعلى هذا النحو، فإن "الاتحاد التركي-الإسلامي" سينهض بوظيفة لا تقوم بها أية مجموعة أو منظمة أخرى.
وعند الحديث عن تأسيس "الاتحاد التركي –الإسلامي" من الضروري التأكيد جيدا على الجانب "المعنوي" في هذا الموضوع. فـ"الاتحاد التركي –الإسلامي" يتمثل في وحدة القلوب. هو ليس اتحادا "شكليًا"، بل اتحاد "حقيقي".
إن الوحدة التي تجمع العالم التركي- الإسلامي على أساس المحبة والأخوة تقع مسؤولية ريادتها اليوم على الجمهورية التركية مثلما كان الأمر في الماضي. وهذه المهمة لا تنبع من الادعاء بأن لتركيا الأفضلية أو القيادة. إن هذه المهمة السامية نتيجة طبيعية لما لتركيا من تجربة تاريخية، وللخصائص التي تميزها من التواضع وحب الخدمة وإدراك المسؤولية والرغبة في خدمة المسلمين.
فهذ الخطوات باتجاه تأسيس هذا الاتحاد ستلقى القبول من قبل دول المنطقة، ذلك لأن "الاتحاد التركي- الإسلامي" سيزيح التخلف من المنطقة ويقضي على الفقر والجهل، وبدل الدماء والدموع الآلام سيجلب السلام والرفاه والعلم والمعرفة والسعادة ويوفر كل ما من شأنه أن يجعل المستقبل جميلاً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الوحدة سوف تشمل أكثر الحضارات تقدمًا في العالم وأغنى الأراضي من حيث الثروات والثقافة، فهي وحدة تفرض نفسها على القرن الواحد والعشرين.
ولذلك، ومن أجل تحقيق هذه الغايات السامية ونشر السلام والأمن في العالم فمن الضروري على الجميع أن يبذلوا كل ما في وسعهم من جهود من أجل إنجاح هذه المساعي الخيرة.
إن العالم في حاجة ماسة إلى هذا الاتحاد لكي يسود السلام والأمن والمحبة والأخوة.