عدنان أوكطار
دخل الاتفاق الذي يتعلق بمسألة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ وذلك منذ عدة أشهر. ويقضي الاتفاق - إن لم تخُني الذاكرة - بإعادة اللاجئين مرة أخرى إلى تركيا، ومنح تركيا مساعدات مالية قدرها 3 مليارات دولار كي تتمكن من الإنفاق على اللاجئين، وإعفاء مواطني تركيا من تأشيرة الدخول إلى دول أوروبا.
تنطبق جميع المعايير - البالغ عددها 72 - التي تتعلق بالإعفاء من تأشيرة الدخول على تركيا فيما عدا 5 فقط. يتعلق الأمر بالشرط الخاص "بالتعديل"، بعبارة أخرى، فقد دخل ذلك البند المتعلق بـ "التخفيف من حدة القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي" ضمن بنود الاتفاق بين الطرفين بشكل مفاجئ. يتوقع البعض أن تظهر تركيا بعض التسامح فيما يتعلق بمسألة قتل حزب العمال الكردستاني الإرهابي لما يقرب من 450 جندي خلال الأشهر الأخيرة، وما مجموعه أكثر من 40 ألف شخص في المطلق، وقد جاء رد الرئيس التركي أردوغان قاسيًا والذي قال فيه "إذًا، أنتم من طريق، ونحن من طريق آخر".
اتسم رد فعل الرئيس التركي بالمنطقية والاعتدال. من المعروف أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هم بالفعل أعضاء في حلف الناتو لذلك فهم مُلزمون بتقديم الدعم لتركيا، حليفتهم في حزب الناتو، في كفاحها ضد الإرهاب وفقًا للقرار الذي اعتُمد في عام 2001. ومع ذلك، لم تقدم أي من دول أوروبا الدعم اللازم لتركيا في حربها على الإرهاب، بل على العكس من ذلك، فقد عُرف عن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعمهم العلني لحزب العمال الكردستاني. يُسمح لحزب العمال الكردستاني - وهو منظمة إرهابية - بامتلاك العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في مختلف الدول الأوروبية لممارسة أنشطتهم من خلالها، إلى جانب تلقيهم دعمًا علنيًا من قبل بعض الساسة الأوروبيين.
علاوة على ذلك، لم تواجه من قبل أي دولة من الدول الأوروبية إرهابًا مشابهًا للذي تواجهه تركيا، ورغم ذلك، فأول ما فعلته تلك الدول عندما تعرضت لآفة الإرهاب هو اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية الاستثنائية بتعليق بعض الأحكام الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أجلٍ غير مسمى. لا زال هذا النوع من الإجراءات الوقائية ساري المفعول في فرنسا وبلجيكا وذلك في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس. تُعد إنجلترا - حتى وقتنا هذا - أكثر من استخدمت الأمر الخاص بتعليق أحكام الإعلان ووظفته ضمنيًا في "حربها ضد الإرهاب"، تُطالب هذه الدول بلدًا مثل تركيا – وهي الدولة التي يعاني شعبها ويلات الإرهاب يوميًا – بتقديم بعض التنازلات فيما يخص مسألة الإرهاب، وهو ما يشير ضمنيًا لاحتمالية واحدة وهي أن أوروبا لا زالت تشمل تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي بحمايتها.
إدراج مطلب كهذا ضمن بنود الاتفاق هو محاولة فاشلة من الاتحاد الأوروبي للتلاعب بتركيا وخداعها، هناك اعتقاد سائد داخل الاتحاد الأوروبي بأن تركيا ستضحي بالغالي والنفيس في سبيل فتح حدودها مع أوروبا. في الواقع، هناك بعض الخطوط الحمراء - والتي يمكن التعرف عليها بكل سهولة من خلال المراجعة والتدقيق في التاريخ التركي - الراسخة التي يستحيل على تركيا تجاوزها.
إذن، دعونا نُفكر ونتأمل في الآتى: إلى أي مدى يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي حليفًا محتملًا لتركيا؟
قد يعود الأمر بالنفع على تركيا فيما يتعلق بمسألة إجراء بعض التعديلات بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي والتي تتمحور حول تنفيذ تركيا لبعض الإصلاحات فيما يخص مسألة حقوق الإنسان، والمضي قُدمًا نحو فهم الديمقراطية بشكل أفضل للدفاع عن الحقوق الأساسية والحريات بشكل أفضل.
ومع ذلك، فالانضمام للاتحاد الأوروبي أو الإعفاء من تأشيرة الدخول ليس بالأمر الملزم لتركيا لتحسين الحقوق الأساسية والحريات بالداخل. في مقدرة تركيا الالتزام بإجراء الإصلاحات الضرورية لتحقيق الديمقراطية دون الحاجة إلى مرشد أو دليل. فأوروبا في حاجة ماسة وعاجلة إلى تركيا فيما يتعلق بقوانين اللاجئين. على الجانب الآخر، فتركيا ليست في حاجة إلى أوروبا كي تمضي في طريقها نحو التنمية والأوربة – أي إضفاء الطابع الأوروبي على نفسها - وبالتالى، فإن مسألة الإعفاء من التأشيرة ليست بالهبة الكبيرة التي قد تلهث تركيا وراءها. في الواقع، فقد ارتكب الاتحاد الأوروبي هذه المرة خطأ استراتيجيًا فادحًا بإثارته لمسألة تغيير القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب وهو الأمر الذي تعتبره تركيا تجاوزًا لجميع الخطوط الحمراء الحساسة الخاصة بها.
يمتلك الشعب التركي - بالفعل - بعض المشاعر السلبية والغاضبة تجاه الاتحاد الأوروبي بسبب فترة الانتظار الطويلة والتي امتدت لأكثر من 50 عامًا. لذا، فعلى دول الاتحاد الأوروبي بذل المزيد من المحاولات لفهم تركيا ووضعها وذلك في حال ما ارتأت دول الاتحاد أن عقد الاتفاق مع تركيا سيصب في مصلحة الجميع وسيساهم في إحراز المزيد من التقدم.