عندما كان الدين الإسلامي الذي أتى منقذا للبشرية يشرح لشخص ما، يؤمن به بملىء إرادته دون أن يكون قد تعرض لأي نوع من الضغوط. ان الأشخاص أحرار في اختيار الحق أو الباطل، فإذا اختاروا الاختيار الخطأ فسيتحملون العواقب و النتائج في اليوم الاخر.
فالإسلام يعبر بلغة واضحة عن حرية كاملة لإرادة الأشخاص فيما يخص إيمانهم، هذه النظرة التي كانت متواجدة منذ مجيء الإسلام تشكل أساس العقيدة الإسلامية والآيات المتعلقة بهذا الموضوع جد واضحة:
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) - سورة البقرة آية 256 .
فحسب العقيدة الإسلامية، الناس أحرار في اختيار المعتقدات التي يريدون ولا يستطيع أي شخص إجبار اي أحد إذا ما تعلق الأمر بالدين. فعند التقاء شخص مسلم بشخص أخر بحيث يريد المسلم إن يعلم الأخر الإيمان، فمسؤوليته تنحصر فقط في إيصاله الإسلام و شرحه لوجود الله سبحانه و تعالى و إعلامه أن القران الكريم هو الكتاب المنزل و أن محمد صلى الله عليه و سلم هو رسول دين الإسلام. وبهذا فان هذه المسؤولية محدودة و تتلخص فقط في إيصال الإسلام، ففي أية من سورة النحل يخبرنا الله عز وجل ان نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ما هو إلا رسول.
و يقول الله عز وجل في آية أخرى:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدي) - سورة النحل آية 125.
و يقول أيضا في اية أخرى لنبيه الكريم:
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) - سورة الكهف آية 29.
و في صورة الشعراء يخاطب الله سبحانه و تعالى نبيه الكريم:
(لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) - سورة الشعراء آية 3.
و في صورة ق يخبر الله رسوله الكريم:
(نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) - سورة ق آية 45.
و كما تقدم في الفقرة الأولى من هذا النص، تأتي الآية الموالية من سورة يونس لتؤكد و توضح ما تقدم شرحه
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) - سورة يونس آية 99.
إن رد فعل الأشخاص يختلف تجاه الدعوة للدين، فمنهم من يستجيب بسرعة و منهم من يستهزئ بالداعي و يهاجمه و هناك من ينصت إلى ضميره و يقرر العيش بطريقة ترضي الله عز و جل. بينما نجد أيضا من يختار الاستجابة للمكذبين و يرد على الكلام الحسن بالكلام السيئ ولكن هذا الرفض لا يؤدي أبدا إلى اليأس أو التحسر من طرف الداعي، ففي سورة يوسف يقول الله تعالى:
(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين)- سورة يوسف آية 103 - 104.
فمهما يكن رد الفعل الذي يواجهه فان الذي يتبع تعاليم القران لازال يظهر المعاملة والأخلاق اللذان يرضيان الخالق سبحانه وتعالى رافضا كل التنازلات و يضع ثقته بالله تعالى. فالله أخبرنا أن دينه يجب أن يشرح بالطريقة الأمثل كما أنزله في القران الكريم:
(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)- سورة العنكبوت آية 46.
لا يجب أن ننسى أن كل ما يجرى من حوادث كبرى كانت أم صغرى تتم وفقا للقدر. و الله هو الذي يغفر لمن يشاء. لهذا السبب فالمؤمنون لا يستغربون أبدا أفعال المكذبين من الناس، و هناك أمثلة عديدة في القران، ففي الآية:
(فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) - سورة الكهف آية 6.
يقول عز وجل لرسوله الكريم ألا يكون حزينا إذا كان الناس الذين يدعوهم ليؤمنوا بالقران لا يستجيبون له. يقول تعالى:
(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) - سورة القصص آية 56.
وبالتالي قيامنا بالدعوة، والكلام الحسن و كل التفاصيل التي يمكن أن نقدمها لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة إلا بإرادة الله عز و جل.
فمسؤولية الداعي الوحيدة هي دعوة الناس إلى الإسلام و لا يتحمل أي مسؤولية فيما يخص المكذبين الذين يصرون على رفضهم و يعذبون في اليوم الآخر. فربنا عز و جل يخبر رسوله الكريم في الآية الموالية:
(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) - سورة البقرة آية 119.
زود الله سبحانه جل وعلى الناس بالعقل و الوعي في نفس الوقت و بينت كتبه و رسله الطريق المستقيم و الناس مسئولون على اختيارهم الخاص. فالعقيدة الإسلامية لا يمكن أن نعيشها إلا من خلال قرار جدي يطبق وهذا بتسليم النفس إلى الله عز وجل و بالإنصات إلى الضمير الذي يملي دوما علينا ان نفعل ما هو صواب. فالأمر يتعلق بخرق كامل للعقيدة الإسلامية إذا أجبرنا أحدا ما على اعتناقها. لان المهم هو إن يقرر هذا الشخص بإرادته الخاصة أن يستسلم لله عز و جل بكل قلبه و بكل جدية. فإذا كان هناك نظام لإجبار الناس على الإيمان بدين ما أو معتقد، فان الناس سيتظاهرون بالإيمان فقط خوفا من هذا النظام. لذلك من وجهة نظر دينية، الإيمان الوحيد المقبول هو الذي يكون لوجه الله و مبنيا على الاختيار قناعة و وعيا. يقول الله عز وجل:
(فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم)- سورة الغاشية آية 21 - 26.
ومن الضروري أيضاالتأكيد على أنالإسلام يترك للاشخاص حرية خياراتهم بأنفسهم بشأن الدين ولكن الإسلام يتطلب منهم احتراما لأديان الأخرى حتى لو كانوا يؤمنون بالخرافات، لأنه كما هو موضح في القرآن، يجب أن يعيشوا بسلام وأمان في البلدان الإسلامية ويكونوا أحرارا فيتأدية واجباتهم الدينية. في الآيات التالية، يامر الله رسوله الكريم أن يقول ما يلي لهؤلاء في ما يخص هذا الموضوع:
(لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين) - سورة الكافرون آية 2 - 6.
فحسب المعتقد الإسلامي، كل واحد منا حر في ممارسة شعائره الدينية التي تناسب معتقده الخاص، لا احد يستطيع أن يمنع أحدا آخر أن يؤدي واجباته الدينية الخاصة. فلا يستطيع إجباره أن يتعبد بالطريقة التي يريدها هو، فهذا مخالف للعقيدة الإسلامية و هو غير مقبول عند الله عز و جل. ففي التاريخ الإسلامي، يظهر نموذج من المجتمع أين يكون كل فرد حر في طاعة الله و أداء واجباته حسب معتقده المختار. في القران الكريم يصف الله تعالى الكنائس و الأديرة و أماكن العبادة لأهل الكتاب كما كانت كلها تحت حمايته عز و جل:
(الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) - سورة الحج آية 40.
فحياة رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم مملوءة بهذه الأمثلة، لما كان النصارى يأتون لرؤيته كان يترك مسجده الخاص ليصلون فيه. هذه السماحة استمرت طيلة عهد الخلفاء الراشدين الأربعة و بعد سقوط دمشق، حيث كانت هناك كنيسة حولت إلى مسجد ثم قسمت إلى قسمين كي يستطيع كل من المسلمون و النصارى الصلاة و التعبد.(بإمكانكم الحصول على معلومات مفصلة حول الموضوع بالرجوع إلى الموقع: www.harunyahya.com المبني على أعمال هارون يحيى.)
رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يفيض حبا و تسامحا.
في البلاد العربية قديما خلال عصر الرسول صلى الله عليه و سلم كانت هناك مجتمعات عديدة لها طرق تفكير و معتقدات و ديانات مختلفة. اليهود، النصارى، الصابئين ... لكنهم عاشوا جميعا جنبا إلى جنب. و كان هناك أيضا العديد من القبائل التي تعادي بعضها البعض رغم أنها تنتمي إلى نفس المعتقد (يرجى الرجوع إلى كتاب: الرسول محمد صلى الله عليه و سلم لهارون يحيى.) لكن نبينا الكريم دعا كل واحد إلى الدين بنفس المودة والصبر والتسامح والمحبة، بغض النظر عن معتقدهم أو قبيلتهم. وقد تم وصف هذا الموقف الممتاز للنبي محمد صلى الله عليه و سلمفي القرآن الكريمفي سورة ال عمران (فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظاغليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين) الاية 159.
فالمسلم لا يتحمل إلا مسؤولية شرح الدين الإسلامي، و الطرف الأخر يهدى إلى الإيمان بإرادة الله سبحانه و تعالى. فلا يوجد أحد باستطاعته إجبار أحد أخر على اعتناق عقيدة ما. فرسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) كان جد واضحا بخصوص هذا الأمر الإلهي وكان دوما يقول أن الناس لا يمكنهم العيش وفقا للدين إلا إذا اختاروه و اقتنعوا به طواعية. ففي حديث يقول المصطفى: "انما بعثت رحمة ولم ابعث عذابا(رواه البخاري)..وقال ايضا"انما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا"(رواه الترميذي)...وعن ابي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" انما انا رحمة مهداة"
هذه الفضيلة الأخلاقية العالية للنبي عليه الصلاة و السلام يعبرعنها على النحو التالي(الشخص الذي يرد بهدوء (الذي يسيطر على الانفعال )عندمايغضب ، يستحق محبة الله له)
هناك الكثير من الأحاديث المتعلقة بالرحمة، والمحبة,والتسامح عند نبينا صلى الله عليه و سلم ، فعلى سبيل المثال ، عن النبي صلى الله عليه و سلميقول: "من لا يرحم لا يرحم " (البخاري ومسلم) و هناك احاديث أخرى تنص وتدعو الى التراحم كما يلي(كونوا رحماء، تراحموا واغفروا يغفر لكم ويل لاقماع القول ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون) – رواه الامام احمد باسناد جيد
الإمام الغزالي، العالم المسلم الكبير، يلخص المعلومات التي جمعها من الأحاديث النبوية فيما يخص علاقة نبينا صلى الله عليه و سلم بمن حوله (كان لا يعرف الغضب ويظهر بسرعة الرحمة للأشياء، وكان اشد الناس محبة للآخرين ................. لحجة الإسلام الإمامالغزالي، إحياءعلوم الدين- الجزء 2
ان الحب تجاه الآخر، حب و تقدير رسولنا صلى الله عليه و سلم هي المقومات التي تجمع المسلمين حول هذا الدين و تملأ قلوبهم بالإيمان في نفس الوقت و هي أيضا فضائل أخلاقية راقية ينبغي أنتطبقمن طرف المسلمين. هذه الفضائل الأخلاقية لرسولنا عليه الصلاة و ازكي التسليم تعد مثالا للإنسانية جمعاء و قد ذكرها الله عز و جل في سورة التوبة (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليكم عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) الاية 128
الحب والمودة والتسامح والرحمة هي الفضائل المشتركة بين رسل الله الذين بعث بهم كمرشدين للخلاص و النجاة. يكشف الله في القرآن انه منح "حساسية الحب" لرسل اخرين ، ويذكر يحيى عليه السلام، الذي قال انه أعطاه الحكمة كمثال في هذا الموضوع. وهو يصف هذه الشخصية المقدسة كحائز..الرقة والنقاء وهي نعم من الله لانه كان تقيا كما ورد في سورة مريم (وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا) آية 13.