القتل تحت مسمى آخر
ucgen

القتل تحت مسمى آخر

1463

مؤخرًا، أُنهيت حياة قاصر مُصاب بمرض ميؤوس من شفائه، يبلغ من العمر 17 عامًا بواسطة تدخل طبي في بلجيكا، أصدرت السلطات بيانًا بأنَّ القتل الرحيم تم بناءً على طلب من الشاب القاصر، وبنى رئيس "الرقابة الفدرالية البلجيكية، ولجنة البت في القتل الرحيم"، السيد ديستيلمانز، الذي وافق على الطلب، تبريره لهذه الممارسة الصاعقة على أساس غريب، بقوله "يجب عدم حرمان الأطفال من الموت بكرامة"، مُحاولًا- بطريقته الخاصة- تقديم القتل الرحيم على أنَّه ممارسة مشرفة.

لا يختلف القتل الرحيم عن تصرفات كالانتحار، أو القتل العمد. بغض النظر عن صحة الفرد الذي يطلب القتل الرحيم، أو حالته العقلية، فإنَّ اتخاذ قرار بممارسة القتل الرحيم يعني إنهاء حياة شخص، بمعنى آخر، البت في مسألة موت هذا الشخص، والقيام بذلك بموافقة الضحية، أو باستخدام طرق طبية لا يغير هذه الحقيقة المطلقة.

تم تقنين استخدام القتل الرحيم حاليًا في بلدان مثل بلجيكا، وهولندا، وكولومبيا، ولوكسمبرج، ويُمارس القتل الرحيم، وقد قُنِّن الانتحار بمساعدة الغير في ولايات معينة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وأصبحت ممارسته تتم بصفة مستمرة، ويُمارس القتل الرحيم في الصين وسويسرا في عيادات خاصة.

 

من بين كل هذه البلدان، هولندا وبلجيكا الوحيدتان اللتان تعتبران ممارسة القتل الرحيم على أطفال أقل من 18 عامًا أمرًا قانونيًا، إذ يُحتِّم القانون في هولندا أن يكون الطفل أكبر من 12 عامًا، لكن من ناحية أخرى، قنّنت بلجيكا ممارسة القتل الرحيم على أطفال من جميع الأعمار، بموجب تشريع تم سنه عام 2014 أدّى لرد فعل قوي للرأي العام الدولي. حتى الأطفال الرضّع المعاقين يسمح القانون الهولندي بقتلهم باستخدام القتل الرحيم النشط.

يتطلب القتل الرحيم تحقيق عدة شروط قبل ممارسته، مثل تحلِّي الشخص الذي يطلب القتل الرحيم بالصحة العقلية، أو أن يكون مصابًا بمرض قاتل ميؤوس من شفائه، أو أن يُعاني من ألم نفسي أو جسدي لا يُحتمل.

لكن هذه القوانين غير متناسقة من أساسها، لأنَّه من المستحيل طبيًا الحديث عن السلامة والصحة العقلية لشخص يريد الانتحار، ناهيك عن جعل شخص آخر شريكًا في هذا الفعل. فلو اعتبرنا أن هذا القرار قد اتخذه شخص لا يتمتع بالصحة العقلية، ولا القدرة على الحكم على الأمور، وضعيف الإرادة، ويُعاني في الأغلب من الاكتئاب بسبب مشاكل جسدية، فإن الموافقة على القتل الرحيم وقتها تُعد خطأ جسيمًا. وعلى وجه الخصوص، فإنَّ مسألة تلبية "طلب متطرف" كانتحار طفل لا يُعتبر ناضجًا عقليًا ولا نفسيًا، ولا يُمنح أي صلاحية، أو تقع عليه مسؤولية قانونية، تُعدُّ مسألة شديدة الغرابة.

الطريقة المُثلى والأكثر مناسبة للتصرف تجاه مريض مصاب بمرض قاتل هو بذل كل الجهود الطبية والإنسانية المتاحة لمعالجته، ومداواته، وإعادته إلى حالته الصحية السليمة، وليس تقرير مسألة موته دون رحمة أو أدنى شعور.

هناك عدد لا يُحصى من الحالات التي تغلبت على أكثر الأمراض إثارة لليأس، تعافوا من الشلل الحاد، أو أفاقوا من غيبوبات امتدت لسنوات، ولهذا، فإنَّ القتل أو المساعدة على انتحار شخص ربما يملك الفرصة للشفاء في أي لحظة طالما يتنفس، وحرمانه من هذه الفرصة أمر غير مقبول إطلاقًا.

ناهيك عن كون كل ذلك حقاً إنسانياً، القتل الرحيم غير إنساني على الإطلاق، وممارسة همجية، تعكس التوجه المادي، اللامبالٍ، المروّع لهذه المجتمعات تجاه الحياة الإنسانية التي حادت عن القيم الروحية مثل الإيمان، والحب، والتعاطف، والرحمة، وساد محلها سريعًا أسلوب حياة يعاني من الفتور، والتخاذل، والأنانية، وانعدام الحب.

سواء كان طوعياً أو غير طوعي، نشطاً أو مساعداً، فمن الجليِّ أنَّ مسألة إنهاء حياة إنسان لا تتوافق مع الضمير القويم، ويجب اعتبارها جريمة عظمى. ورغم أنَّ بعض المجالس البرلمانية لعدد قليل من الدول والولايات قننوا هذه الممارسة اللاإنسانية، فإنَّ أغلب العالم يعتبر القتل الرحيم قتلًا، وهؤلاء الذين يمارسون تلك الجريمة يُحاكمون وربما يصدر بحقهم أحكام سجن مدى الحياة، أو حتى عقوبة الإعدام. الديانات المقدسة تعتبر إنهاء حياة إنسان خطيئة عظيمة، وسواء كان المرء مؤمنًا أم لا، فإنَّ واجب الجميع كآدميين التعبير عن خطأ هذه الممارسة وتقديم حل.

http://www.raya.com/news/pages/96163507-81ae-4016-893c-c1adf7969656

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo
التحميلات