الصلاة تعتبر من أعظم تجليات إسم الله الرحمن الرحيم كما أنها كرم وفضل عظيم يستمتع به المؤمنون فهي تمكنهم من التعبير عن إيمانهم الحق وعن حبهم الحقيقي لله وعن خوفهم و احترامهم لخالقهم، فبالصلاة يظهر المؤمنون خضوعهم لله خليلهم المتوّكلين عليه و القاضي لحاجاتهم و طلباتهم. في المجتمعات التي تتبرأ من الأخلاق الدينية، تصبح عبادة الله معقدة و تواجه صعوبات بسبب مجموعة من الأساطير و الخرافات و التي حذرنا الله سبحانه وتعالى منها و ذلك في قوله:
و بالتالي فإن الذين يّدعون وجود طرق متنوعة للعبادة يجعلون الدين أكثر صعوبة مما يؤدي إلى تنحي الناس عن الطريق المستقيم في حين أن القرآن الكريم يؤكد على أن الله سبحانه و تعالى قريب دائما منا فهو القائل في كتابه العزيز في سورة ق الآيتين 16ـ17
مما يعني أن أي شخص يمكنه التقرب من الله سبحانه و تعالى في أي وقت يشاء و يطلب منه العون و المساعدة لأن رحمته وسعت كل شيئ و يستجيب للدعوات المٌلّحة و الصادقة وبالنتيجة فالناس مطالبون عند الدعاء باستشعار وجود و قرب الله منهم لأن الذين يعوون هذه الحقيقة هم فقط الذين يعرفون قيمة و أهمية الدعاء و الإبتهال و بالتالي فهم لا محالة ينسجون رباطا حميمّيا مع الله سبحانه و تعالى فالناس يطلبون عونه في كل شيء وهو يستجيب لطلباتهم لهذا فليس من الضروري أن ننتظر وقتا معينا للدعاء و الصلاة فالله يسمعنا في كل وقت و في أي مكان بمعنى أن كل شخص يمكنه التضرع لله و هو يتنقل من مكان إلى آخر أو هو يقضي حاجاته أو هو يحضر أكله أوهو يشاهد التلفاز أو حتى و هو يصعد المصعد أو هو ذاهب للنوم أو حتى وهو مستيقظ في الصباح و يتناول فطوره أو هو سائق و الأمثلة لا حصر لها فيكفي بكل بساطة أن يفكر الإنسان بأي شيء الا ويعلمه الله لأنه العالم بما في قلوبنا.
إن المؤمنين يتضرعون إلى الله وهم واثقون من أنه يسمعهم و يراهم و يطلع على أفكارهم حتى تلك العابرة فعندما يفكر المؤمنون في الصلاة و التضرع فإنهم يتخيلونها كقربان شفوي من الإبتهالات و التحميدات لله سبحانه و تعالى و اعتراف منهم بالذنوب وتعبير صريح عن كل إحتياجاتهم و احتياجات باقي المؤمنين و بالتالي فمن أجل الوصول لهذا الهدف يجب على من يتضرعون لله أن يكونوا ملحين و ملتزمين لأن من يسشعرون عظمة الله سبحانه و تعالى هم من يخافون عقابه و يرجون فضله و بالتالي فهم يلتجؤون اليه بكل جدية فمن يسلم أمره لله و يقبله كخليل و معين يشكون و يبتون إليه أحزانهم و مخاوفهم كسيدنا يعقوب عليه السلام حينما قال : (إنما أشكي بتي و حزني إلى الله) سورة يوسف اللآية 86 مع العلم أن الله سبحانه وتعالى يعطي ويوفر كل ما هو جيد للمؤمنين و يستجيب لدعواتهم وصلواتهم ويقدمها لهم بأجود و أحسن الطرق باعتباره المالك الوحيد للقدرة وهم يلتجؤون إليه و يدعونه كما قال الحق عز و جل في سورة النمل الآية62
مما يعكس لنا إحدى نعم الله سبحانه و تعالى و رحمته فالعديد من سور القرآن الكريم تبرز لنا كيف أن الله سبحانه و تعالى قريب من عباده وهو الناصر و المستجيب لمن يتوجه إليه فهو أقرب إليهم من حبل الوريد و يدعو كل واحد من عباده للدعاء فهو القائل عز و جل (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
و بالتالي فالمؤمنون مطالبون من جهة بالتفكير العميق في هذه النعمة التي هي في نفس الوقت رحمة ومن جهة أخرى بالسعي لنيل رضا الله سبحانه وتعالى.
إن هذه الرخصة هي وسيلة متاحة بالمطلق و غير محددة أو مقيدة و الله الذي وفرها لا يخلف وعده و بالتالي فهو يعطي و يستجيب لكل دعاء موجه إليه ما دام لا يخالف أوامره وهو بالمقابل يستجيب كما وعد و لقد تحدث القرآن الكريم عن هذه الإستجابة للأنبياء و المؤمنين الصادقين فعلى سبيل المثال يقول الله سبحانه وتعالى بخصوص سيدنا زكرياء عليه السلام في سورة الأنبياء اللآيات 88-90
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين
عندما يواجه الناس محن غير متوقعة أو عندما يعانون من مرض مزمن أو حتى عندما يواجهون أي اختبار، باختصار عندما يكون الإنسان في حالة ضعف فإن أول ما يتبادر إلي ذهنه هو التوجه إلى الله سبحانه وتعالى و ليس هناك ما يفسر هذا الأمر سوى هو أن هؤلاء الناس واثقون من أن الله سبحانه و تعالى هو القادر على مساعدتهم لأنهم ولو حاولوا بكل ما لديهم من جهد من أجل الخروج من مأزقهم فإنهم سوف يستنتجون في النهاية أن كل خياراتهم من أجل البقاء قد استنفذت ولا ننسى أن نلاحظ أن الناس في أوقات الضعف يكونون جادين كثيرا وملتزمين لكن بمجرد زوال قهرهم ومتاعبهم يعودون لسابق عهدهم و يحاولون الإعتقاد أنهم ليسوا ضعفاء وأنهم ليسوا بحاجة البتة إلى الله سبحانه وتعالى أو أنهم يظنون أنهم سوف يعيشون بدون أن يأتي يوم سوف يتم تذكيرهم بالعكس لأنهم بمجرد تعرضهم مرة أخرى لأية مصيبة أو أية محنة جديدة فإنهم سوف يلجأون من جديد لله سبحانه وتعالى و لكنهم سوف يعودون لموقفهم الجاحد والعنيد لكن الله العادل سوف يحاسبهم على جحودهم لا محالة فهو القائل عز وجل
و في سورة غافر الآية 60 (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
و في الواقع فإن الدعاء هو فرصة و نعمة متاحة لكل إنسان و بالتالي فإن تكبر الذين يترفعون عن الإعتراف بالله يؤدي بهم إلى التمرد عليه سبحانه وهم بذلك يحرمون من نعمة الدعاء و بالنتيجة يعيشون في القلق و الألم و اليأس مبعدين عن رحمة الله و غفرانه و يكون جزاء تكبرهم في الدنيا هوهذه الحياة التي يعيشونها أما الجزاء الحقيقي فهو الذي ينتظرهم في الحياة الأخرى كما قال عز و جل في سورة غافر الآية 60 السالفة الذكرأما المؤمنون فهم يفهمون و يستوعبون رحمة الله و غفرانه وهم بالنتيجة يفوزون بأحسن النعم :الفوز برحمة الله و عطفه كما أنهم واعون بضعفهم وبالتالي فهم يعرفون أن كل ما يأتي من عند الله ليس من محض الصدفة و لكن له هدف معين فهم متأكدين من أن كل ما خلق هو من عند الله عز و جل العالم بكل شيء و الذي ليس كمثله شيء و ليس لأحد قوة تعادل أو تفوق قوته و بالتالي فهم يظهرون إيمانهم بهده الحقائق عن طريق إبراز ضعفهم و خضوعهم لله بالدعاء وهم يعرفون أنه سبحانه وتعالى يستجيب لهذا الدعاء بطريقته وتبعا للمكتوب الذي قدر لأي شخص على حدى وهو سبحانه سيكون دائما بجانبهم لحمايتهم و العناية بهم و بالمقابل فإن المؤمنين يتمتعون بغفرانه و رحمته سواء في هذه الحياة الدنيا أو في الآخرة آملين ألا يصلوا الي القنوط عكس الذين لا يومنون، فهم يعرفون أن هذه الرفاهيه الروحيه و القناعه ستمكنهم من الهروب واللجوء إلى الله مما سينعكس على القلب بالفرحة و البهجة و بالتالي فنحن امام نعمة عظيمه من نعم الله سبحانه و تعالي لأنها تفضي بالناس إلى العيش بتواضع مع اللجوء إليه سبحانه و تعالى فهم يعرفون أنه سيكون معهم عندما يدعونه و يلجأون إليه بجدية عندما تواجههم الصعوبات فهم يعتقدون بقوة أن خالقهم يسمعهم وسيجازيهم بجنة دائمة و لا مثيل لها
حضرة بديع الزمان سعيد النورسي يفسر لنا هذا الخضوع التام لله بهذه الكلمات : " إنه المظهر الأكثر أهمية و الهدف الأكثر جمالا و ثمرته الأكثر رقة هي : إن الذي يرسل التضرعات يعرف أن هناك من يسمع رغبات قلبه ولديه القدرة للوصول لكل شيء وبالتالي فهو قادر أن يوصل إليه الرغبات وينزل الرحمة على ضعفه و يستجيب لعوزه و من أجل هذا أيها الإنسان الضعيف لا تتجاهل الإمكانات المتاحة لك مثل التضرع لأنه مفتاح لكنز الرحمة و القدرة اللامتناهية فتشبت بها و ارفع بها أعلى قمم الإنسانيةوأ ضف لتوسلاتك كل توسلات الكون و لكأنك ملك و قل عندك –يارب- أطلب العون – بديع الزمان سعيد نورسي – أقوال – القول 23