عرفت الروهينجا التي شكلت جزءًا من ميانمار لعقود بأنها الأقلية العرقية الأكثر اضطهادًا ومسالمة، لكن بسبب عرقها ودينها تعرضت لأهوال لا يمكن تصورها لعقود. محنتهم المدمية للقلوب أصبحت أكثر شدة بالرغم من الإجراءات المتطرفة التي اتخذتها حكومة ميانمار لمنع العالم من معرفة ما يجري حقًا. المذابح الجماعية والمحارق والاغتصاب والتعذيب، كانوا أكبر من أن يستطيع العالم غض الطرف عنهم. بعد سبع سنوات من وصول المحنة إلى ذروتها في 2010 لا يبدو أن الوضع يتحسن.
في ظل الهجمات العنيفة التي تعرض لها أفراد هذا الشعب المظلوم في 25 أغسطس من هذا العام، أصبح الوضع أسوأ بكثير يستحيل مواصلة التستر عليه. وقد تعالت هذه المرة بعض الأصوات، في بعض الجهات هنا وهناك، وإن كانت لا تزال متواضعة وبصوت خافت، وبدأت تدين الاضطهاد الذي يتعرض له هذا الشعب، وهل أصلا كان يمكن أن يظل الأمر على حاله، وتستمر الجريمة ترتكب في تجاهل من العالم.
لقد تجاوز عدد المسلمين الروهينجيا الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم وبلدهم منذ 25 أغسطس، 379 ألفا حتى الآن. وهذه المرة تميزت العملية العسكرية بوحشية أكبر من المعتاد، نظرا لما اقترف من عمليات اغتصاب منتظمة من طرف جنود ميانمار، وكان معروفا منذ مدة أن بعض أفراد الجيش الميانماري يستخدمون الاغتصاب تكتيكا ضد النساء من الأعراق الأخرى، غير أن هذه الوسيلة الوحشية قد تفاقمت إلى درجة مهولة.
وفي أعقاب ردود الفعل التي تلقتها من المجتمع الدولي، لجأت الحكومة الميانمارية دون خجل أو ضمير، إلى تحميل المسؤولية وكل اللوم على المسلحين المسلمين، وهي بالتالي تستعمل التقنية المعروفة والمستخدمة على نطاق واسع خلال الحروب الأهلية من قبل المنفذين الرئيسيين لسياسات الاضطهاد الذين يرتكبون جريمة الإبادة الجماعية أمام عيون العالم.
بلغ العدد المعلن عنه رسميا لأفراد شعب الروهينجيا الذين استشهدوا خلال هذه الأحداث على يد القوات المسلحة لميانمار، 3000 شخص، غير أن ضابط شرطة من عرق Mro مجهول كان قريبا جدا من الروهينجيا أكد أن ما لا يقل عن عشرين ألفا من الروهينجيا استشهدوا على يد قوات الأمن من 25 أغسطس الى 31 أغسطس 2017.
والواقع يبين أنه حتى قبل هذه الهجمات الأخيرة، كان الروهينجيا يتكبدون وحشية هذه الظروف المأساوية.
بالرغم من أن مجتمع الروهينجا عاش في بورما لقرون وهي حقيقة تاريخية مدعمة بالوثائق الرسمية، إلا أن حكومة ميانمار ترفض الاعتراف بهم وتدعي بدلًا من ذلك بأنهم لاجئون غير شرعيين من بنغلاديش، لهذا السبب يتجنبون وصفهم بالروهينجا إلى درجة أن الحكومة اعتقلت خمسة أشخاص بسبب طباعتهم لتقويم عام 2016 يشير إلى الروهينجا بإعتبارهم مجموعة عرقية.
هذه الأيام يجد بعضًا من الروهينجا أنفسهم مجبرين على العيش في مخيمات قذرة في بلادهم الأصلية وحرموا من أبسط الحقوق الإنسانية وسبل العيش الكريمة، حتى أنهم يحتاجون لتصاريح للزواج أو السفر خارج قراهم، يجري اضطهادهم وقهرهم على يد الجيش والمجموعات البوذية المتعصبة، وهو أمر ليس بجديد عليهم لكن منذ 2010 وصلت المحنة إلى مستويات غير محتملة؛ طردوا وعذبوا وتم اغتصابهم وحرقهم وطردهم من بلادهم على قوارب متهالكة ليتم رفضهم من قبل الدول المجاورة. تظهر دراسة أجرتها جامعة ييل أن أكثر من مليون من الروهينجا تعرضوا بشكل مباشر للقمع مما يصل بالأمر إلى حد الإبادة الجماعية.
هذا الشعب المخذول بالإضافة إلى إقصائه واستهدافه بعنف من قبل الجيش والمجموعات البوذية المتطرفة، حرم حتى من أبسط الحقوق الإنسانية ومنها الرعاية الطبية، حكم على الشعب بالإعدام البطيء في مرأى ومسمع من العالم أجمع. وصف نجم هوليوود الذي كان في زيارة إلى المنطقة الأمر قائلًا: “يتم خنقهم ببطء، ليس لديهم أي أمل في المستقبل ولا مكان يذهبون إليه”.
مرة قالت إحدى أبطال مجموعات حقوق الإنسان حول العالم، الزعيمة الحالية لبورما أونج سان سوكي: “لندع الأمور العسكرية للجيش”.
وهو أمر مستغرب نظرًا لكون النساء متعاطفات ومحبات بالطبيعة خصوصًا إذا كن أمهات، لكن في انقلاب غريب وكامل على مبادئها السابقة لحقوق الإنسان التي تخلت عنها لصالح السياسة أنكرت وجود إبادة عرقية في ميانمار وحتى أنها ادعت أن الروهينجا هم من يقتلون الروهينجا. هذا الموقف الفاضح كان كافيًا لتنفير وهز العالم وحتى أخلص مؤيديها، من غير المفاجئ أن الحكومة لا تريد أي تحقيقات أممية في المنطقة، وتبقى الأمم المتحدة محض مُشاهِد.
غاب رد الفعل الدولي بشكل مؤسف، على الرغم من التشابه الغريب مع مذبحة سربرنيتشا في 1995 التي قتل فيها 8000 بوسني مسلم كانوا ظاهريًا تحت حماية قوات الأمم المتحدة وتم ذبحهم على مرأى من الجميع، فإن معظم الدول حتى الآن تصر على البقاء صامتة. صرح مسؤولو الأمم المتحدة علانية أن الهدف النهائي للحكومة والجيش البورمي هو الإبادة العرقية.
رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق قائد الدولة التي بذلت مساع حسنة في استقبال اللاجئين من الروهينجا، لخص الأمر ببلاغة قائلًا: “لا يمكن للعالم أن يجلس ويشاهد الإبادة الجماعية وهي تحدث، ليس بإمكان العالم أن يقول هذا الأمر لا يخصنا، بل هو يخصنا جميعًا”.
بالفعل إنها مشكلتنا وكل إنسان على ظهر هذا الكوكب مسؤول عن الأذى الذي يتعرض له أخيه الإنسان، دعونا نكن على قدر المسؤولية ونفعل ما بوسعنا لرفع المعاناة والألم عن الناس الأبرياء.