توجد في الأرض الملايين من النباتات والحيوانات مُختلفة الأنواع،وهي تقوم دليلا على وجود الخالق سبحانه وعلى عظمته. وسنورد هنا عددًا قليلا منالأمثلة للكائنات الحية التي يجب أن نتأمل فيها. فكل كائن من هذه الكائنات يتميزبتصميم في جسمه يختلف عن الآخر، ويتميز كذلك بنوع غذائه وبطريقته الفريدة فيالتكاثر. ولا شك أن الحديث عن هذه الكائنات لا يسعه كتابٌ بل يحتاج إلى مجلّدات.ونذكر هنا بعض الأمثلة لكائنات حية لا يمكن أن تكون قد ظهرت بالمصادفة، وهذا ما سوفنقيم عليه الدليل.
لو كان لدينا ما بين 450 إلى 500 بيضة، وأردنا الاحتفاظ بهذا البيضوحمايته من الرّياح التي تبعثره هنا وهناك، ماذا يمكن أن نفعل؟ وكيف نتخذالاحتياطات اللازمة لذلك؟
إن دودة الحرير من الكائنات الحية التي تستطيع أن تضع في المرةالواحدة ما يقرُب من 450 إلى 500 بيضة، وللمحافظة على هذا البيض تقوم باتخاذ تدبيرذكيّ، وهو ربط البيض بعضه ببعض بواسطة مادة خيطية لاصقة تفرزُها. وبهذا تمنع تناثرالبيض وتشتته. وبعد خروج اليرقات تقوم بربط نفسها بغصن شجرة بواسطة الخيوط التيتفرزها. ولكي تحافظ على هذه اليرقات تحيك شرنقة بواسطة الإفرازات الخيطية. وهذهاليرقات في خلال 3 إلى 4 أيام تقوم بهذه الأعمال كلّها. وفي خلال هذه المدة تبدأبالالتفاف حول نفسها آلاف المرات، وبذلك تُنتج ما يقارب من 900 إلى 1500 متر منالخيوط. وبعد أن تنتهي من هذا العمل، وبدون أن تستريح تنتقل من وضعية دودة داخلشرنقة إلى حشرة كاملة (فراشة). (أَفَمَنْ يَخلُقُ كَمَن لاَ يَخَلُقُ أَفَلاَتَذَكَّرُون) (سورة النحل: 17).
هذه الحشرة الأم "التي تصنع الحرير" من أين تعلمت كيفيّة المحافظةعلى أطفالها واليرقات صغيرة الحجم التي ليس لها إلاّ أيام قليلة من خروجها منبويضاتها كيف تقوم بهذه الأعمال, فهذا ما لم تستطع نظريّة داروين الإجابة عنه.
قبل كل شيء، كيف استطاعت الأمّ أن تفرز هذه الخيوط لتلصق بهابيضها؟ وهذه اليرقات التي خرجت للتوّ من البيضة، كيف استطاعت أن تجد مكانًا مناسبًالها لتصنع شرانقها، ومن ثم تستطيع أن تتغير دون أن تحدث مشاكل؟ فهذه الأشياء كلّهافوق حدود طاقة فهم الإنسان. ففي هذه الحالات يمكن أن نستنتج بكل بساطة أن كلّ دودةتعرف ما ستفعله في الدنيا. وهذا يعني أنها قد تعلّمت هذه الأشياء قبل أن تأتي إلىالدنيا.
ونستطيع أن نوضح هذا الأمر بالمثال الآتي: فإذا رأيتم الطفلالمولود حديثًا، بعد مرور عدة ساعات من ولادته يقف على رجليه، ويقوم بجمع ما يحتاجهلتكوين فراش للنّوم وبعد إتمام الإعداد ينام عليه. إذاما رأيتم هذا المشهد، في ماذا ستفكرون؟ بعد انتهاء الدهشة ستفهمون أنّ الطفل قدتلقى هذه المعرفة وهو في بطن أمه. وهذا شبيه تمامًا بما تفعله اليرقات.
وهكذا نتوصل إلى نتيجة مفادها أن الكائنات تولد وتتصرف وتعيش علىنحو ما رسم لها الله تعالى طريقة حياتها. وهذا ما ذكره الله سبحانه وتعالى فيالقرآن في حديثه عن النحل فبين أن عملها وسلوكها إنما هو بوحيٍ من الله: (وأَوْحَىرَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنَ اتَّخِذِى مِنَ الجِبَال بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِوَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسُلكىِ سُبُلَ رَبِكَذُلُلاً يَخُرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌللِنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفكَّرُونَ) (سورة النحل:68-69).وفي الحقيقة إن أكبر الأسرار في عالم الأحياء تكون قد انكشفت، فالكائنات جميعهاتعرف أن ما قُدر لها من قبل خالقها سوف يحدث، ولهذا فإنّ نحل العسل يقوم بإنتاجالعسل وحشرة الحرير تقوم أيضا بصنع الحرير وهكذا....
تناظر الإجنحة
إذا نظرنا بدقة إلى أجنحة الفراشة نكتشف أنها متناظرة، ولا يوجدفيها أي قصور. فهذه الأجنحة الشفافة، سواء الأشكال التي تحتوي عليها أو النقاط أوالألوان التي تزينها قد خُلقت كما لو أنها لوحة مرسومة بإتقان، فهي في الحقيقةإبداع لا يضاهى، وهو عمل استثنائي.
فالفراشات مهما كانت مختلفة يكون جناحا الواحدة منها متشابهينتمامًا حتى في أدقّ الرسوم؛ في انتظام نقاطها وألوانها، فلا يوجد أدنى تشويش فيألوانها. فهذه الألوان تتكون من أقراص صغيرة جدًّا مرتّبة بدقة وتناسق الواحد تلوالآخر. فإذا ما لمسنا هذه الأقراص الصغيرة فإنها تتشتت وتتلاشى، إذن: فكيف تتكوّنهذه الأقراص الصغيرة دون أن يتداخل ترتيبها أو يفسد انتظامها، بحيث أن خروج أي قرصعن مكانه في الجناحين يظهر سريعًا للعيان. فليس هناك على وجه الأرض فراشة لم تبنأجنحتها وفق نظام معين، وكأنها جميعًا من صنع رسّام واحد.
حقيقة إن لها رسامًا واحدًا، وصانعًا واحدًا وخالقًا عظيمًا واحدًا. إن الذي أبدعجميع هذه الكائنات هو الله تعالى الذي لا مثيل لخلقه. يقول تعالى متحدثا عن صفاته: (هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبّحُلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزيُزُ الحَكيمُ) (سورة الحشر 24).