هارون يحيى
وقعت أكثر من 68 مذبحة كبرى حول العالم وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولقي ما يقارب الـ 85 مليون شخص حتفهم في تلك المذابح.
ومن بين الـ 85 مليون شخص، هناك ما يقرب من 11 مليون مسلم قد فقدوا أرواحهم. علاوة على ذلك، وخلال تلك الصراعات، فإنه من بين كل 10 مسلمين، هناك 9 منهم قُتلوا على يد مسلمين آخرين. حدثت أغلبية تلك المذابح، التي وقعت للمسلمين، في المناطق التي وقعت فيها الحروب الأهلية، أما السبب الرئيسي الآخر لوقوع تلك المذابح هو الصراعات بين القوى الإقليمية المجاورة لبعضها البعض.
لم يكن الدين، بكل تأكيد، هو السبب وراء غزو العراق للكويت، أو غزوها لإيران. وقد كانت محاولات السيطرة على حقول النفط في المنطقة وقناة السويس هي السبب وراء اندلاع الحروب بين مصر وليبيا. وقد اندلعت الحروب التي وقعت في أفغانستان، والسودان، والجزائر بين الأطراف التي تتسابق جميعها للإمساك بزمام السلطة، وحتى أن العديد من تلك الصراعات المزعومة بين السنة والشيعة ترجع أسبابها في الأساس إلى أسباب اقتصادية أو عرقية، وقد كان السبب الوحيد وراء ارتكاب حافظ الأسد لمذبحة حماة، أو قتل صدام حسين للمسلمين الأكراد في الحلبجة بالأسلحة الكيميائية هو تعزيز سلطتيهما وحكميهما.
ليس هناك أدنى شك في أن الشعب العراقي قد عانى كثيرًا جراء احتلال الولايات المتحدة لأراضيه. ومع ذلك، فخلال الحرب الأهلية التي أعقبت الاحتلال، فإن أغلب الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم داخل المساجد كانوا من المسلمين، وقد اندلعت الحرب الأهلية الأفغانية قبل أن تقوم الولايات المتحدة بغزو واحتلال أفغانستان بسنوات، والمسلمون دون غيرهم هم من يطلقون النار على بعضهم البعض خلال الحروب الأهلية التي وقعت في سوريا، واليمن، والسودان، والجزائر، وليبيا وذلك بسبب التعصب المتجذر لسنوات في تلك المناطق وهو الأمر الذي مهد الطريق أمام ازدهار ظاهرة العنف. ألقى الفكر المتعصب، والذي بسط سيطرته على الكثير من الدول الإسلامية، بظلاله على الكثيرين لفترة زمنية كبيرة، الأمر الذي أبعد الكثير من المسلمين عن القيم الإنسانية الأساسية كالتعاطف، والرحمة، والمحبة، والاحترام. يجب على أولئك المسلمين من ذوي الفطرة السليمة - وذلك إذا ما أرادوا التوصل لحل جذري فيما يتعلق بمسألة التطرف - إدراك الخطر الهائل الذي يمثله التطرف والتصدي له من خلال الحكمة والمعرفة.
ما نتحدث عنه هنا هو مسألة ضرورية للغاية وذلك بسبب الربط الخاطئ والدائم بين الإسلام والعنف - وذلك على الرغم من أن الإسلام في الأساس هو دين السلام والتسامح، وعلى الرغم من إدانته للعنف - إلا أن هناك ربط دائم بين ظاهرة الإرهاب العابر للحدود وبين الإسلام. زدات العمليات الإرهابية بشكل كبير لدرجة أنه في عام 2015 تم تنفيذ ما يقرب من 2863 هجمة إرهابية في 53 دولة حول العالم من قبل ما يُسمى بالجماعات المتطرفة، وقد بلغ عدد من قُتلوا في تلك الهجمات حوالي 27618، في حين بلغ عدد المصابين حوالي 26143. وقد بلغ عدد القتلى في عام 2014 حوالي 32658، وفي عام 2013 حوالي 18111 قتيلًا. وقعت ما نسبته 80% من تلك الوفيات في 5 بلدان من تلك التي تسكنها أغلبية مسلمة وهي العراق، وسوريا، وباكستان، ونيجيريا، وأفغانستان. ووفقًا للتقرير الصادر عن المركز القومي لمكافحة الإرهارب التابع للحكومة الأمريكية، فإن 97% من ضحايا الإرهاب هم من المسلمين.
بلغ عدد من استُشهدوا خلال الحروب الأهلية في العراق وأفغانستان أكثر من مليون شخص، في حين أن عدد من استُشهدوا خلال الحرب الأهلية في سوريا حتى الآن قد وصل إلى 500 ألف شخص، 400 ألف منهم توفوا جراء أعمال العنف، والـ 100 ألف الباقين فقدوا أرواحهم نتيجة نقص الرعاية الصحية أو الأوبئة التي تفشت بسبب الحرب. لقي أكثر من 20 ألف شخص حتفهم خلال الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا. وعلى مدى الـ 50 عامًا الماضية، شهد اليمن العديد من الانتفاضات والحروب الأهلية المتفاوتة في حدتها وشدتها. فقد ما يقرب من 200 ألف مسلم أرواحهم وذلك في خضم الصراعات الجارية حاليًا بين المسلمين بعضهم البعض. وإذا ما أخذنا في الحسبان تلك الحروب الأهلية - والتي لا يعلم أحد المدى الزمني الذي قد تستغرقه - الجارية حاليًا في الصومال، ونيجيريا، والسودان، وباكستان، فإن 9 حروب من أصل 11 جارية حاليًا حول العالم تتخذ من دول إسلامية مسرحًا لها. وعلى ما يبدو فإن عدد المسلمين الذين يُقتلون بيد مسلمين آخرين يزداد بمرور السنين، فالقاتل والمقتول من المسلمين، وكلاهما يؤدي الصلوات، ويعبد الله، ويذهب إلى المسجد. القضاء على الأجواء التي تسودها الفتنة والنزاعات هو أمر واجب على المسلمين في جميع أنحاء العالم.
والآن، فإن أولئك ممن يزعمون العمل لصالح الإسلام والدفاع عن حقوق المسلمين أصبحوا هم أنفسهم مسؤولين - بشكل كبير - عن إراقة دماء المسلمين.
ومع ذلك، فإن الإسلام يرتكز على التضامن والتكافل بين المسلمين، ويجب على المسلمين التوحد معًا من خلال الإسلام، والسلام، والمحبة. يجب على المجتمع الإسلامى أن يتذكّر وصايا النبي (صلى الله عليه وسلم) التي تحُث على أهمية الوحدة والأخوة بين المسلمين جميعًا.
"أيها المؤمنون! استمعوا إلى ما سأقوله جيدًا، المسلم أخو المسلم، والمسلمون جميعًا يشكلون أخوية واحدة، ولا يحل لأي مسلم الاستحواذ على شيء ينتمي إلى أخيه المسلم إلا بالتراضي".
هذا هو الدرب الذي ينبغي على المسلمين جميعًا السير عليه.
خلاصة القول، يواجه العالم اليوم مشكلة عظمى وهي تلك التي تتعلق بإغراقه في فخ العنف، إلى جانب الصعود المتزايد للأيديولوجيات التي تساهم في تأجيج هذا العنف. تسببت المفاهيم الخاطئة - والتي تتنامى بمعدل خطير للغاية - في قتل ملايين المسلمين. ويكمن الحل الوحيد الممكن لتلك المشكلة في تعميم طرق التعليم التي تتسم بالعقلانية والتي ترتكز على تعاليم القرآن الكريم. هذا هو الدرب الذي ينبغي على جميع من يتطلعون لمناهضة التطرف، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، السير عليه. لن تساهم أيّ من تلك الطرق التقليدية - والتي لا تتخذ من تغيير عقلية التعصب نهجًا لها - في وضع نهاية لتلك الكارثة المستمرة.