عهد جديد في سوريا
ucgen

عهد جديد في سوريا

21493

سقط الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دوامة العنف، على مدى الأعوام الثلاثين الأخيرة وفي ظل تفتت سوريا الذي بدأ مؤخرًا، ولا تبدو لهذه الدوامة نهاية في الأفق. تأثر المسيحيون واليهود، مثلما تأثر المسلمون، بمناخ الحرب؛ فقد تحولت إسرائيل وفلسطين إلى سجون مكشوفة يحيا الناس داخلها خلف الأسوار، وانحدر التعداد السكاني للمسيحيين بنسبة 10%، وأتباع نبي الله عيسى (عليه السلام) غير قادرين على العيش في الأراضي التي شهدت مهد الديانة المسيحية.

أرهقت مشكلة الشرق الأوسط سبعة رؤساء أمريكيين، و12 أمينًا عامًا لحلف شمال الأطلسي، وثمانية رؤساء وزارة بريطانيين، وخمسة أمناء للأمم المتحدة، وسبعة رؤساء روس، وستة رؤساء فرنسيين، وثمانية رؤساء صينيين. وقد مر خلال تلك الفترة المئات من رؤساء الوزراء والرؤساء، ورؤساء هيئات الأركان، والمشايخ والقساوسة على بلاد المنطقة. لم يتمكن أي شخص من جلب السلام، لأن كثيرين كانت أولوياتهم الأولى هي مصالحهم الشخصية.

لاح بصيص من الأمل في النصف الثاني من عام 2016، وقد يجلب معه السلام إلى المنطقة، خاصة في سوريا. تحركت في البداية تركيا - الدولة المجاورة لسوريا - وروسيا - إحدى الدول التي تأثرت بأحداث المنطقة - من أجل تأسيس نواة تحالف. وقد تشكل في فترة قصيرة إطار مشترك من الثقة. بدأت جمهوريات وسط آسيا، خاصة كازاخستان وأذربيجان، في تقديم دعم سري ومفتوح لهذا التحالف. وينبغي أن تنضم باكستان إلى هذه التشكيلة الجديدة من أجل أمن أفغانستان وغرب آسيا.

 

بدأ التحالف، الذي انبثق في العالم الإسلامي، أن يؤتي ثماره في سوريا. إذ دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 30 ديسمبر /كانون الأول، على الرغم من بعض الخروقات المحلية. وفي غضون ذلك، توجد محادثات لضمان سلام دائم وتأسيس إدارة تجمع البلاد كلها معًا. اختار التحالف بين تركيا وروسيا أستانة لتكون مركزًا لهذه المحادثات، كما أن العراق هي ثاني المهام على قائمة أجندة هذا التحالف. فقد اجتمع رئيس الوزراء العراقي برئيس الوزراء التركي في بغداد في السابع من يناير/ كانون الثاني، وأعلنا أنهما سيتبعان سياسة مشتركة ضد الإرهاب، ويبدو أن هناك حلًا من أجل العراق أيضًا، ستبدأ مناقشته قريبًا.

إنني أرى أيضًا، مثل رؤى كثير من المسلمين، أن الحل لمنطقتنا يكمن في تقوية وتمديد هذا التحالف. يُقتل المسلمون على أيدي مسلمين، في 90% من الأوقات التي تتخللها أعمال العنف. ويستحيل تحقيق السلام دون أن يسود التفاهم الإسلامي الحقيقي، ودون أن يزول التوتر السني الشيعي المفروض قسرًا.

وهذه المشكلة لا يستطيع حلها سوى البلاد الإسلامية وبلاد المنطقة فيما بينها. إذ أن الخطط التي تُعد خارج المنطقة لا يحتمل نجاحها، مثلما تبرهن التجارب السابقة على هذا. يجب على الدول الإقليمية أن يتوصلوا إلى حل لهذه القضية معًا في التحالف، كما يجب على الدول الرائدة المذكورة من قبل أن تقود المبادرة.

فضلاً عن هذا، يبدو واضحًا أن التحالف ينبغي عليه أن يحظى بدعم من مشروعات اجتماعية وثقافية وبشرية، فالنجاح ليس ممكنًا أو محتملًا مع تحالف يُشكَّل ويُطوَّر خارج المنطقة، بل ويدار حسب المصالح، ودون احترام المرجعيات الدينية. يستحيل أن يستمر التعاون بين هذه الدول في الشرق الأوسط بدون الرجوع إلى الدعم الروحي، والصداقة، والأخوة، والمحبة المشتركة، والاحترام. تحظى هذه المبادئ بالأسبقية المطلقة على المصالح السياسية والاقتصادية. لذا، يحتاج الأشخاص الذين يخططون لإعادة رسم خريطة المنطقة أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم.

يوقد أشخاص، من داخل المنطقة ومن خارجها، نار الحرب فيها لما يقرب من 40 عامًا، ولن يرغب هؤلاء في تحقيق السلام. وقد اختُلقت عشرات الاستفزازات خلال الشهر الماضي من أجل إضعاف التحالف الثلاثي، ومن الواضح أن الأمن التركي والروسي يواجهان تهديدات، إذ أن اغتيال السفير الروسي في أنقرة كان مرتبًا كي ينقلب البلدان على بعضهما، غير أن الثقة المشتركة بين البلدين أحبطت هذه الاستفزازات، فلن يجلب السلام إلى المنطقة سوى مناخ المحبة والثقة المشتركة، وإلا ستكون أكثر فترة دموية تمر على القرن الحادي والعشرين.

http://www.raya.com/news/pages/a64811a3-b0f8-44ba-9f4d-0c7a2b38733a

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo