هارون يحيى
منذ فترة الحرب العالمية الأولى، حرصت أجهزة سرية في الدول الغربية لوضع مخططات وخرائط لتقسيم الشرق الأوسط وإعادة تشكيله، في حين بقيت بقايا المملكة العثمانية على ذات شكلها الجغرافي بلا تقسيم، كان هؤلاء يسعون إلى تقسيمها وتوزيعها خلف الأبواب المغلقة، ومنذ ذلك الحين، بدأ ظهور الحدود والحواجز وتقسيم الدول بين شعوب كانوا إخوة في السابق ويتشاركون نفس الدين والعرق.
انتهت الحرب العالمية الأولى، وبدأ مخطط تقسيم الشرق الأوسط بالفعل. لم تفتح هذه المخططات الطريق أمام من يزعمون بحقهم في هذه الأرض فحسب، بل كانت سببًا في إلهام عدة أجيال لاحقة من الطامعين، فتم إنتاج مصطلح "الفوضى الخلاقة" كأحد خطط أجهزة الدول السرية لاستخدام العنف والصراعات في تقسيم الشرق الأوسط أملًا في تقسيم الدول إلى دويلات صغيرة وانتشار الدماء في كل مكان.
دعونا نتذكر سويًا مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه الجنرال السابق رالف بيترز (أحد مستشاري الرئيس الأمريكي كلينتون) عام 2006، في وثيقة تسمى "حدود الدم: كيف سيبدو الشرق الأوسط الأفضل" والتي نشرت في جريدة عسكرية، يقول بيترز إنه لا بد من إعادة رسم الحدود بين الدول في الشرق الأوسط لنشر الديموقراطية والقضاء على الإرهاب. الخريطة الافتراضية التي وضعها قسمت العراق إلى دولة للشيعة، وأخرى للسنة وثالثة للأكراد، كما تم تمديد حدود أرمينيا، كما تصور دولة منفصلة تشبه الفاتيكان تقوم حول مكة، كما أسس دويلات صغيرة في العراق للآذريين والبلوش في الشمال، وأعاد تشكيل حدود كل من سوريا ولبنان والأردن، كل ذلك المخطط بدا واضحًا لنا مع أهدافه مع بداية هذا العام الجديد.
بعد عام 2006، دخلت هذه الخريطة حيز التنفيذ داخل الحكومة الأمريكية وحلف الناتو وقوات الجيش، بل وتم تطوير برامج تدريبية في وحدات الناتو وفق هذا المخطط. في حقيقة الأمر، كل ما قام به بيترز هو كشف المخططات الاستراتيجية التي تصاغ بوضوح من الأساس للشرق الأوسط، أو ربما كشفت لنا مدى عمق هذه المخططات.
بلاد الشام تحديدًا، والتي تم وضع مخطط لإعادة تشكيلها على مدار سنوات، ربما كانت المنطقة الأضعف وتحتاج إلى إدارة قوية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. واليوم، يمكننا أن نطرح سؤالًا واضحًا: لماذا يتدخل الغرب دائمًا في أي شأن يخص دول الشرق الأوسط؟ لماذا يخططون للقضاء على هذه المنطقة؟ وأين هم قادة وشعوب الدول الغربية من رفض مثل هذا الأمر؟
ربما قد حان الوقت الآن لمجتمعات ترحب بالديموقراطية الغربية والحريات والتقارب بين الشعوب وفي نفس الوقت لرفض مخططاتهم لتقسيم البلاد والتي قد أدركنا بعد سنوات من معايشة الأمر، أن تقسيم الدول لا يقود سوى للخراب وليس للازدهار أو التقدم. يجب أن نخبر العالم أن روح الاتحاد هي ما ستنفعنا، ليس في دول الشرق الأوسط فقط، بل في الغرب أيضًا، وهي أيضًا الحل لمشكلة الإرهاب. يجب علينا أن نفضح المخططات السرية التي استخدمت ضدنا لنحل مشاكلنا بالعنف طيلة السنوات الماضية.
لا يجب أن ننسى أن طبيعة البشر تجعلهم يميلون لاستخدام لغة الغضب في بعض الأحيان بل والكراهية واستخدام العنف كطريق مختصرة، لديهم ميل أيضًا لتصديق أن تقسيم الدول يمكن أن يكون حلًا للمشكلات ولإرضاء الأطراف. الراغبون في زيادة الصراع وتنفيذ تلك المخططات يلعبون على هذه الطبيعة الإنسانية، نحن لدينا القوة والإرادة لنظهر للغرب وللناس في الشرق الأوسط أنفسهم أن هذا الأمر خاطئ تمامًا، في حين يصنع البعض مخططات لنشر الكراهية، دعونا نحن - باتحادنا معًا - نضع المخطط لتدمير الكراهية، دعونا لا ننتظر الغرب لينشر السلام بيننا.