الهجمات الانتحاريّة التي هزّت العراق، والتي زادت حدتها في العام الأخير, جعلت البلاد الآن في وضع ملتهب، فالعراق أصبح معرضا للانقسام الفعلي إلى ثلاث مناطق .
حروب أهليّة قاسية لا يمكن تقبلها، وصراعات محتدمة بين الإخوة، وفتاوى تدعو إلى الحرب وتصدر عن علماء مسلمين، وأصوات الحرب تعلو فوق أصوات السّلام في المنطقة. والحال أن ما ينبغي على علماء المسلمين عمله هو الدّعوة إلى السّلام.
منذ وقت طويل كان كثير من العشائر والجماعات في العراق يشعر بضيق شديد من سياسات رئيس الحكومة نوري المالكي ونهجه في التعامل معهم. وفي بداية عام 2014م انتقل هذا التّوتر ليصبح بشكل رسميّ صراعا مسلحا، في البداية انطلق هذا الصراع بين العشائر السنية وبين القوات الحكومية في الفلوجة ثم ما لبث أن انتقل بسرعة إلى صلاح الدين وديالي والمناطق القريبة من بغداد. وفي الوقت الحاضر فإن هناك تنظيما فرض نفسه على الساحة أكثر من العشائر والجماعات الأخرى.
فلقد نجح تنظيم "الدّولة الإسلامية في العراق والشام" في السيطرة على المناطق الغربية والوسطى والشمالية ذات الأغلبية السنية. وبعد السيطرة على الرمادي, وبعض المناطق في تكريت والموصل, يتجه مقاتلو التنظيم الآن نحو بغداد حيث يوجد عدد كبير من الشيعة خصوصا في المناطق الجنوبية من المدينة. ويمارس هذا التنظيم عنفا شديدًا ضدّ الشيعة في المناطق التي سيطر عليها مقاتلوه. وكل يوم تصلنا أخبار من مناطق مختلفة من البلاد تظهر لنا حجم الظلم والوحشيّة التي يمارسونها. . في ظل هذه الظروف والأوضاع من غير الصّواب إصدار فتاوى الجهاد للشّيعة. فهذه الفتاوى من شأنها أن تفاقم في التحريض من أجل سفك مزيد من دماء الشعب العراقي .
فقبل كل شيء علينا إيقاف جميع الفتاوى التي تدعو للجهاد وتحرض عليه. ومن الضروري الدّعوة إلى المصالحة والتآخي بين المسلمين والدّول الإسلامية بدل التصريحات التي توقد مزيدا من نار الفتنة وبدلا من إطلاق الدعوات التي تقول "واصلوا تدمير بعضكم البعض، واسفكوا مزيدا من الدماء" ينبغي إطلاق صيحات مفادها "تصالحوا، تعالوا إلى كلمة سواء واركنوا إلى السّلام" .
عند حدوث الفتنة، فإنّ أول شيء يجب القيام به هو إطفاء نار هذه الفتنة. والطريق الصّحيح هو إيجاد الحلول لإنهاء هذه الصّراعات بين الإخوة، ذلك لأن القوى الموجودة في الشرق الأوسط تهدف منذ مئات السنين إلى تقسيم هذه المنطقة إربا إربا من أجل حماية مصالحها هناك.
طُرحت فكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام عندما تم احتلاله في عام 2003 م . والهدف من هذا التقسيم هو خلق دويلات لا قوة لها، ضعيفة من السّهل السيطرة عليها. والحال أنه من الضروري رفع - ليس الحدود الجديدة فقط، بل الحدود الموجودة نفسها في الشرق الأوسط ليصبح الأمر كما هو الحال في أوروبا.
وجود اتحاد كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي يتمتع فيه الفرد بحق العيش بما يتناسب مع عقيدته, ويحظى فيه بحق المساواة والعدالة والمحبة، سوف يكون حلا "مثاليا" ليس فقط بالنسبة إلى المنطقة وإنما كذلك لكل الدول كالصين وروسيا وأمريكا ودول الاتحادّ الأوروبي.
الحكومة العراقية الحالية هي التي أدخلت العراق في هذه الصراعات نتيجة سياسات بعيدة عن روح المحبّة والتآخي، هذه السياسة طغى عليها الجفاء والقسوة ، وكانت بعيدة كل البعد عن العدالة والإنصاف .انتهاج الضّغط في التعامل وسياسة العنف والكراهية هي التي زادت من حدة الاستقطاب في البلاد، وفكرة محاولة تطويع الشعب من قبل الحكومة باتباع أساليب التخويف والذّعر بدأت تنقلب ضدّها. ونتيجة لذلك سيطرت مشاعر الحقد والكراهية على المجتمع.
هل المشكلة تكمن في مسألة التوزيع غير المتكافئ للموارد في العراق ؟ وعند النظر إلى العراق بشكل عام فإن الجواب على هذا السّؤال هو "لا" بكل تأكيد. فالعراق بتاريخه وثرواته وثقافته يتمتّع بإمكانيات كبيرة تكفي الجميع. فسهل الرّافدين الذي يحتوي على أراضي خصبة تسقيه مياه نهري دجلة والفرات يُعتبر من أغنى ما تملكه البلاد، وكذلك شط العرب والبصرة مكان التقاء النّهرين، وبغداد لؤلؤة الشّرق الأوسط التي كانت عاصمة للكثير من الدول الكبيرة على مدى العصور. وبابل التي تزين مخيلتنا, والنجف الذي يوجد فيه قبر الخليفة الرّابع سيدنا علي كرم الله وجه . وأربيل مركز رياضة الرافتنج وهواية تسلّق الجبال. وكذلك مدن أخرى نجد فيها عبق التّاريخ مثل السّليمانية والموصل وكوكوك، بالإضافة إلى غنى هذه المناطق بالبترول وبالأخص الموصل .
تبلغ قيمة احتياطي العراق من البترول الخام 143.1 مليار برميل، وبهذا فإنه يحتل المرتبة الثالثة في العالم
.(http://www.ydh.com.tr/HD8309_irak-petrolde-irani-gecti.html) . وبالنسبة للغاز الطبيعي فيبلغ احتياطه منه 13 ترليون م 3 .
للعراق موارد باطنية كثيرة تكفي لكل شعبها من الشيعة والسنة و الأكراد والعرب والتركمان و المسيحيّين .واليهود وتوجد مناطق سكنية واسعة يمكن العيش فيها بأمان وإخاء، ولكن الوضع السائد في المنطقة يتميز بالصّراع والنزاعات. وبسبب الحروب والاحتلال والنزاعات الطائفية التي تمزق الشعب خيّمت على كافة أرجاء البلاد سحابة سوداء قاتمة. وعلى عاتقنا جميعا اليوم تقع مسؤولية إزالة هذه السحب السوداء وتبديدها وإعادة المحبة والتآخي، وإلا فإنّ نار الفتنة سوف تلتهم المنطقة بأكملها لا مسح الله.