مما يثير تفكيرنا أن المنطقة التي تُعرف دائمًا بمواجهتها لمشكلة الجوع ليست اسكندنافيا أو جرين لاند، حيث يصعب استزراع الأرض وتربية الماشية بسبب الظروف المناخية، بل إن هذه المنطقة هي أفريقيا. ففي فبراير/ شباط 2017، حذرت النسخة التركية من موقع دويتشه فيله قراءها: «منظمات الإغاثة قد حذرت من أن ناقوس الخطر بدأ يقرع في الصومال بسبب الجفاف»، وذلك في تقرير جاء بعنوان «إنذار بالجوع في الصومال». كما نشرت إحدى وكالات الأخبار في تركيا مقالًا في مارس/ آذار بعنوان «ملايين الأشخاص في شرق أفريقيا في قبضة الجوع»، وقد ورد في المقال بيانات نُقلت عن الأمم المتحدة تشير إلى أن 23 مليون شخص في بلاد شرق أفريقيا يتضورون جوعًا بسبب أزمة الغذاء، وأن عدد الوفيات جراء بدايات المجاعة يزيد من المخاوف المتعلقة بمستقبل شعوب المنطقة. كما قالت يورونيوز: «أكثر من 20 مليون شخص في جنوب السودان والصومال واليمن ونيجيريا، يواجهون خطر المجاعة، تعتبر المجاعة في البلدان الأربعة هي أكبر كارثة إنسانية تواجهها الأمم المتحدة». نُشرت جميع هذه التقارير خلال العام الحالي، مما يعني أن مشكلة المجاعة لا تزال قائمة في أفريقيا، وقد دعا ذلك ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إلى إرسال نداء لاتخاذ إجراء دولي جماعي، إذ قال: «هناك أكثر من 20 مليون شخص في الدول الأربعة يواجهون خطر الموت جوعًا ومجاعات، وبدون جهود دولية جماعية ومنظمة فسوف يموت الناس جوعًا». من المؤكد أن الموقف لا يمكن تصوره بسهولة للكثير من الأوروبيين والأمريكيين الذين يشاهدون الغزلان وهي تتجول في الغابات الاستوائية، أو تدفق المياه في الأفلام الوثائقية التي تصور نهر النيل، أفريقيا بالنسبة إليهم تمثل قارة الخصوبة، فضلًا عن أن الأخبار المتداولة عن الشركات الأوروبية والصينية التي تشتري أو تستأجر الأراضي الزراعية في أفريقيا، والتي حظيت بتغطيات إعلامية كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، تعزز من هذه الفكرة. بيد أن حقيقة القارة الأفريقية تختلف عن ذلك؛ فقد تسببت الحروب الأهلية والإرهاب والجفاف والهجرة في أن تجعل الجوع جرحًا دائمًا يؤرق أفريقيا. تُوفي 47 طفلًا خلال الشهرين الماضيين جراء أمراض مرتبطة بالجوع في مستشفى «بنادر» في العاصمة الصومالية مقديشو، كما أعلنت اليونيسف أن مئات الآلاف من الأطفال في جنوب السودان ونيجيريا والصومال وبعض أجزاء اليمن مهددون بالموت جراء سوء التغذية والحروب الأهلية والمجاعة. تستحضر الحقيقة التي تقول إن الجوع مرتبط بالجفاف مسألة تغير الظروف المناخية، وبكل تأكيد الضرر الذي سببناه للطبيعة وللغلاف الجوي. فعلى سبيل المثال، ذكر أحد التقارير التي جمعها رؤساء الخمس مؤسسات التابعة للأمم المتحدة أنه بعد إعصار النينو الأخير، تدهورت حالة الأمن الغذائي بشدة في بعض أجزاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي جنوب شرق وغرب آسيا، لذا فإن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لهذه القضية هو الحل الوحيد لتجنب الجفاف في أفريقيا. يوجد حل آخر يمكن العمل عليه، ويتمثل في إيجاد موارد غذائية جديدة وأن نسعى بشكل عاجل للاهتمام بالتنمية الزراعية وتربية الحيوانات، كما هو معروف، تطور كثير من الدول المتقدمة سلالات من الحيوانات الصغيرة والكبيرة الغنية باللحوم والألبان والقادرة على تحمل ظروف الجفاف، وذلك من خلال تحسين النسل، ومن ثم فإن ضمان وجود هذه الحيوانات في المناطق التي تتعرض لمجاعات بدون إخصائها يمكن أن يكون حلًا أيضًا. تعد الأمم المتحدة أكثر المنظمات العالمية الفاعلة في مواجهة المجاعات في أفريقيا، على الرغم من هذا، تبدو معظم الحلول التي تقدمها مؤقتة ومقصورة على مناطق محددة، وهم بدلًا من الوصول إلى حل واضح، يحاولون أن يقدموا سبل الإغاثة إلى مناطق معينة تواجه خطر الجوع، تبدو الأمم المتحدة في هذه الحالة كرجل يهرع لإطفاء الحريق الذي اندلع في غرف عديدة داخل المنزل عن طريق دلو من الماء، رغم ذلك، يمكن حل المشكلة عبر إيجاد مصادر تمويل دائمة، تمتلك كثير من البلاد صناديقها الخاصة المتعلقة بالكوارث الطبيعية، ويمكن استحداث صندوق مماثل ودائم تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل مواجهة المجاعات. في واقع الأمر، تعرض وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني جيرد مولر لهذه المسألة خلال تصريح أدلى به إلى صحيفة باساور نوين بريسه، أكد مولر على أن الأمم المتحدة ينبغي عليها أن تتحرك لتتخذ «إجراءات وقائية واعية» فيما يتعلق بالقضية، مضيفًا أن عدم كفاية التمويل الذي تحصل عليه هيئات الأمم المتحدة، وأيضًا الحقيقة التي تقول إنهم يطلبون الدعم المالي عند مواجهة كل أزمة، تعتبر أمورًا «غير مقبولة». تمثل جميع هذه المقترحات حلولًا، إلا أنه من المهم القيام بحملة إغاثة إنسانية موسعة وعاجلة في أفريقيا، كما أنه من الضروري أن نضع استراتيجية تنمية مستدامة وأن نؤسس مؤسسات قوية للدولة يمكنها السيطرة على الآثار السلبية للجفاف.