بالإضافة إلى كونهما جارتين، تعد روسيا وتركيا دولتين صديقتين استطاعتا عبر السنين أن تكوّنا هذه العلاقة القوية منذ عهد أتاتورك والاتحاد السوفيتي. إن إسقاط الطائرة الروسية الأسبوع الماضي مثل صدمة لكلا الشعبين، كما أرجع الخبراء والمحللون الحادث إلى عدة عوامل، فهل كان هذا الأمر حتميًا، أم هو خطأ الجانب التركي؟
ادعى بعض المحللين أن هذا الحادث كان ردًا على هجوم على التركمانيين في سوريا، السبب في هذا الأمر هو كون تركيا قد وجهت مسبقًا أكثر من تحذير للجانب الروسي بشأن الهجمات على المناطق التي يقيم فيها أبناء جلدتها، بالإضافة إلى أنه قد أُعلن من قبل أن بعض المناطق التي تعرضت للقصف لم يكن بها أية عناصر متطرفة.
إذا كان فعلًا الهدف من إسقاط الطائرة الروسية هو تحذير تركيا لروسيا سابقًا بالشأن الذي تحدثت عنه، فكان يجب على روسيا أن تدرك خطأها وتبتعد عن مناطق التركمان، ولكن على الرغم من ذلك، وعلى النقيض من هذا الطرح، استمرت روسيا بعد هذه التحذيرات في قصف المناطق التركمانية بل قامت بمحاصرة المجال الجوي حولها عن طريق نقل بعض أنظمة الدفاع الجوي لتغطي هذه المناطق ما أغلق على تركيا القدرة على اتخاذ أي تصرف في هذه المنطقة.
الطرح الثاني الذي تناوله بعض المحللين في مناقشة هذا الحادث هو أن تركيا تدعم بعض الأطراف في الحرب الدائرة في سوريا وأنها عاجلًا أم آجلًا ستدخل بشكل مباشر في الصراع. أرد على هذا الطرح بأنه من غير المنطقي إذا أرادت تركيا التدخل أن تنتظر خمس سنوات لتفعل هذا الأمر، بالإضافة إلى وجود مبادرات الآن تهدف لتحقيق حلول دبلوماسية في سوريا، على الرغم من أن هذه المبادرات لم تدخل حيز التنفيذ العملي بشكل كبير، ولكن تلك المفاوضات التي دارت في فيينا كانت الأكثر إثارة لقلق تركيا. الكثير من الأسئلة حول التركمان في جورجيا وجزيرة القرم وسوريا، كانت هذه الأمور مصدر قلق لتركيا بالتأكيد ولكن تم حلها بحلول دبلوماسية ومفاوضات بين الدول.
إذا بحثت في الأمر حقًا فستجد أن الهدف لم يكن استهداف روسيا على الإطلاق، ولكن الأمر يتعلق بحماية حدود الدولة التي تم انتهاكها، إليكم بعض التفاصيل الهامة بشأن إجراءات انتهاك الحدود التركية:
عقب إسقاط طائرة تركية غير مقاتلة عن طريق أنظمة الدفاع الجوية بواسطة النظام السوري في 22 يونيو 2012 قامت تركيا بتغيير قواعد الاشتباك الخاصة بها، وهو ما ترتب عليه التعامل مع أي هدف غير تركي قادم من اتجاه الحدود السورية على أنه تهديد ويعامل كهدف عسكري.
دعوني أذكركم أيضًا بأن روسيا كانت الدولة صاحبة أكبر عدد من الانتهاكات للحدود التركية، فمع بدء الحملة العسكرية الموسعة لروسيا داخل سوريا في 30 سبتمبر الماضي، قامت بانتهاك الحدود التركية 13 مرة في غضون 7 أيام فقط. بالتأكيد فقد ازدادت هذه الانتهاكات مع زيادة الهجمات على المناطق التركمانية ولكن هذا الأمر لم يتم الإفصاح عنه بشكل علني، وعلى الرغم من تكرر هذه الانتهاكات، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على العلاقة بين تركيا وروسيا وكانتا دائمًا دولتين حليفتين، وتمكنتا دائمًا من حل مشاكلهما بشكل ودي، ولكن الإصرار الحالي على مواصلة انتهاك الحدود التركية - على الرغم من كل التحذيرات السابقة - وضع الإدارة التركية في موقف حرج، ولكن هل كان يجب الرد على هذا الأمر بإسقاط طائرة؟ بالتأكيد لا.
على الرغم من كون تصعيد قواعد الاشتباك إلى حالة الحرب هو أمر مسموح به وفق القانون الدولي، إلا أن إسقاط الطائرة عرض حياة الطيارين للخطر بالإضافة إلى من هم على الأرض التي ستسقط عليها الطائرة، لذلك فلا يمكننا الموافقة على هذه الطريقة. الأمر الهام هنا هو أنه بالاستشهاد بالمعلومات الواردة لنا، فإن ما حدث ليس فيه مخالفة ونحن لسنا في عداء مع روسيا. بالتأكيد فحلف الناتو ودول كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وأسبانيا وهولاندا أكدت أنه لم يكن هناك أية مخالفة لقواعد الاشتباك.
الفترة الحالية هي فترة شديدة الحساسية، حيث يتوجب على القادة أن يتجنبوا اللهجة الغاضبة والقرارات الصعبة التي ربما يندموا عليها لاحقًا، ربما يعلم الجميع تاريخي الطويل في رفض مقاطعة بعض الدول لروسيا، لذا فأنا أؤكد أن اللهجة الغاضبة لن تؤدي إلا إلى تباعد الدول وهو ما لا نرغب فيه حقًا، المتابعون من الطرفين يجب أن يسعوا نحو السلام بين البلدين وتجنب لغة العنف والكراهية، كلمات الغضب تخرج في لحظة، ولكن التخلص من آثارها ربما يحتاج وقتًا طويلًا.
الشعبان الروسي والتركي لا يرغبان حقًا في هدم العلاقات، ولهذا قوبلت رسائلنا للصحف الروسية بكل ترحاب. تركيا تمثل البوابة التي تمكن روسيا من التعامل مع العالم العربي والإسلامي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو شخص سياسي عقلاني دائمًا ما ساهمت سياساته في تعزيز التضامن بين البلدين، لذلك فإن الصداقة التركية الروسية يجب ألا تتأثر أبدًا بخطاب الكراهية الذي لن يكون له أية نتيجة جيدة بالتأكيد.
المصادر
https://en.wikipedia.org/wiki/Syrian%E2%80%93Turkish_border_clashes_
http://www.yenicaggazetesi.com.tr/rus-ucaklarinin-ihlal-ler-inden-sonra-36391yy.htm
http://www.aa.com.tr/tr/dunya/uluslararasi-toplumdan-turkiyeye-destek/481809
http://www.pravdareport.com/opinion/columnists/26-11-2015/132707-turkey_russia-0/