هارون يحيى
شَهِدَ القرن العشرون الكثير من الحروب الضارية بين الدول، حيث بدا العالم وكأنه لم يتعلم من الدروس السابقة. ربما لم تكن الحرب العالمية الأولى والدمار العظيم الذي خلفته درسًا كافيًا، فبدأت الدول العظمى حربًا عالميةً ثانية راح ضحيتها 53 مليون شخص، كانت نسبة المدنيين بينهم هي 63%، كما اضطر 40 مليون آخرون إلى ترك منازلهم والنزوح إلى أماكن أخرى، كانت التكلفة الكلية لتلك الحرب هي 8 تريليون دولار وفق التقديرات التي أجريت عام 1996.
في أعقاب تلك المأساة الكبيرة، سعت الدول إلى إيجاد حلول لمنع تكرار مثل هذه الحروب مرة أخرى، انطلقت الأمم المتحدة كمبادرة وجزء من محاولة الدول التي أدركت أن الحرب ليست السبيل للوصول لأي شيء. نجحت مهمة الدول في منع قيام حرب عالمية جديدة، إلا أن الدول فشلت في تجنب الصراعات والحروب بشكل كامل. وفق معهد البحوث السويدي SIPRI فإن 103 من النزاعات المسلحة قد حدثت في الفترة من 1989 إلى 1997 فقط، كان 6 منها بين دول مختلفة، إلا أن الدمار الذي حدث منذ بداية الألفية الجديدة قد فاق هذا الحد.
في حين يركز الجميع على الأسباب الأيديولوجية والسياسية للحروب، لم يفكر أحد أبدًا أن الحروب ما هي إلا نتيجة تولد الشعور بالكراهية.
هذه الحالة من الكراهية أصبحت أول الكروت في أيدي من يريدون إشعال الحروب بين الدول لأنهم يرغبون في استمرار الحروب في هذا العالم لضمان استمرار سيطرتهم. لهذا السبب، عمدت تلك القوى إلى نشر مناخ الكراهية والاضطراب وشكلت الكثير من الأحداث في العالم. الهدف الرئيسي بالنسبة لهؤلاء هو نشر حالة من الغضب والسخط والاحتجاج التي تؤدي في النهاية إلى الكراهية بين الشعوب. بمجرد أن يتم زراعة بذور الكراهية تلك في المجتمع، يصبح من السهل جدًا تنميتها والبناء عليها لتحقيق أغراضهم. عندما تقرر تلك القوى الخفية على سبيل المثال إسقاط دولة ما، فإنهم ينزعون الحب بين الشعب ويحاولون استبداله بالكراهية والتفرقة، أما البقية فتأتي كنتيجة طبيعية وسهلة لهذا الأمر.
إذا أرادت دول الشرق الأوسط التي تعاني اضطرابات غير محدودة إنهاء الصراعات الدائرة حولهم، فيجب عليهم أن ينبذوا فكرة الصراع والحرب أولًا. ربما يكون من الصعب فعل ذلك، لأن الحروب لا تنشب من الصراع الأيديولوجي والسياسي، بل من الكراهية بين الجماعات والأعراق والمجتمعات المختلفة داخل المجتمع الواحد. إذا تم خلق روابط من الحب داخل المجتمع، لن يكون هناك أية مشاكل سياسية بلا حلول، والاختلافات الأيديولوجية لن تكون سببًا في الصراع أبدًا بعد ذلك.
إذا انتشرت ثقافة الحب تلك داخل المجتمعات، فلن يكون هناك ثورات أو انقلابات عسكرية أو حروب أهلية وأي صراع حينها سيكون بلا معنى. لقد اختفت تلك الثقافة تمامًا من المجتمعات والشعوب، فعندما يتحدث أحدهم عن الحب والتوافق بين الشعوب نتخيل دائمًا كما لو كان يتحدث عن المدينة الفاضلة وأن الوصول لهذا الأمر يبدو مستحيلًا. ربما تكون كلمة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعي سببًا في اشتعال كراهية بين الناس، لا يحتاج الأمر إلى وقود لإشعال هذه النار، لقد أصبح من المستحيل في هذه الأيام أن نجد أحدًا يدعو إلى نشر الحب والسلام في هذا العالم. من السهل جدًا نشر الكراهية بين الناس، إلا أن الأصعب هو نشر المحبة. إذا رغبت الدول في فك القيود المفروضة عليها وأن تتطور وتعيش في سلام، فيجب عليهم العمل على هذا المبدأ أولًا.
إذا أردنا لهذا الحب أن يظهر، يجب أولًا أن نحاول القضاء على آثار الكراهية. بالحديث عن الشرق الأوسط على سبيل المثال، أصبحت العقول الآن تمتلئ بالكثير من الكراهية، هذه الأمور مكنت الأعداء من الهيمنة على دول الشرق الأوسط دون احتلال، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم. ربما يرفض أصحاب الفكر المتعصب هذا الطرح، ولكن طبيعة العصر الحديث أجبرت الدول القوية على تغيير طريقة تفكيرهم في الاستعمار والهيمنة لتتحول إلى الهيمنة الفكرية.
إذا استطعنا القضاء على الكراهية، سنستطيع الانتصار على تلك القوى التي خططت على مدار المائة عام الماضية إلى السيطرة على دولنا، ولن يكون من السهل أبدًا استثارة مشاعر الكراهية بيننا. إذا أردنا ذلك حقًا، فيجب على الدول أولًا أن تؤمن بأن المحبة هي السبيل لحل مشاكلها.