أحدثت رسائل ترمب إبان حملته الانتخابية عن الإسلام، وأفعاله اللاحقة، رد فعل عنيفا، وترجمت كما لو كان يعادي العالم الإسلامي على وجه الخصوص. لكن، ما يجب على المجتمع الإسلامي فعله هو دراسة كلمات ترمب بتمعن، وإلقاء نظرة فاحصة على أفعاله اللاحقة.
ربما يبدو الرئيس الذي يعد بمحو الإرهاب المتطرف في خطاب ألقاه وهو يطل من شرفته، مخيفا لبعض الناس من العالم الإسلامي، لكن ترمب أعرب عن الفرق بين المسلمين والمتطرفين على مدار حملته، إذ تقبلها نظريا، لكنه قال إنه من الصعب تبين ذلك عمليا. وأصر على أن «المتطرفين لا يحبون الولايات المتحدة»، وعبر عن مخاوفه بهذا الشأن، وهو محق بالطبع في شعوره بالقلق، لأن التطرف خطر لا يهدد الولايات المتحدة أو الغرب فحسب، بل يهدد العالم الإسلامي أيضا، نظرا لأن التطرف عقيدة مختلفة تماما عن الإسلام.
بالتبعية، يجب أن تتغير وجهة نظر الدول الإسلامية عن ترمب، يجب على العالم الإسلامي التخلي عن الخوف الذي يشعر به نحو ترمب، والولايات المتحدة، والعالم الغربي، بإظهار فهمه للصداقة، والأخوة. يجب على العديد من الدول الإسلامية دعم ترمب بسياسة حميمية وعقلانية، ومد يد العون لترمب، وعرض القتال معه ضد التطرف.
يمكن للرئيس الأمريكي الذي لا يتبع العقول المظلمة التكيف بسهولة مع سياسة شرق أوسطية عقلانية، وحكيمة، ومبنية على أساس علمي. يمكنه استيعاب أن الحل لا يمكن تحقيقه بواسطة القنابل، والجدران، والحظر، وأن إجراء دراسة عقائدية عقلانية يجب أن يتم بشكل عاجل.
هذا أمر مهم لأن مجموعات القوى العميقة التي ترغب في تقسيم الشرق الأوسط إلى أجزاء، ورسم خرائط جديدة متعددة للشرق الأوسط لهذه الغاية، يظنون أن تحقيق ذلك يمكن أن يتم فقط باستخدام القنابل، لهذا، لم تختلف سياسات رؤساء الولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط حتى الآن، ولم يتم الوفاء بعبارة «سننسحب من الشرق الأوسط» على الإطلاق.
الإحصاءات التي تعود إلى فترة رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما تعد مثيرة للقلق في هذا الشأن: أثناء رئاسة أوباما، أطلقت ثلاث قنابل كل ساعة في عام 2016، هذا يعني 72 قنبلة في اليوم، و504 قنابل في الأسبوع. هذا يكشف حقيقة أن إجمالي ما تم إلقاؤه في العام المنصرم وحده، حوالي 27172 قنبلة.
استهدفت تلك القنابل سبع دول، جاءت سوريا والعراق على رأس القائمة، 93% من القنابل الملقاة كانت على هاتين الدولتين. بالنظر إلى تلك المعدلات، من المستحيل تقريبا تحديد مكان سقوط القنابل، وكم عدد المدنيين الذين فقدوا حياتهم.
عمليات القصف تلك تسير حسب خطة، ونطالع بشكل مستمر خرائط لشرق أوسط مقسم، مرسومة بواسطة المؤرخ البريطاني برنارد لويس بعد الحرب الباردة، وبواسطة المخابرات الأمريكية عام 2006 بواسطة العقيد رالف بيترز، ثم في يناير 2008، بواسطة مقال جيفري جولدبرج في مجلة الأطلسي الشهرية، وفي تقرير قدمه كينيث كاتزمان إلى الكونجرس الأمريكي في 25 سبتمبر 2008، عندما ظهرت خريطتان إضافيتان. وحتى اليوم نشرت العديد من خرائط «الشرق الأوسط الجديد»، في وول ستريت جورنال، والمحيط الأطلسي، وبي بي سي، ونيويورك تايمز، ودفاع باكستان، وواشنطن بوست، ورويترز، وهافينجتون بوست.
يعلم الجميع أن تقسيم الشرق الأوسط يعني سلسلة من الكوارث، ليست فقط لدول المنطقة، لكن للعالم أجمع. لهذا السبب، من الضروري ألا تسمح دول الشرق الأوسط بشرق أوسط مقصوف بالقنابل، ومقسم، وحل تلك المشكلة ممكن إذا ما قرر رئيس الولايات المتحدة الجديد اتباع تلك الاستراتيجية بالتعاون مع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط.
ونتمنى أن يتحقق النضال ضد التطرف حاليا بطرق علمية، لا بواسطة القنابل، بالتحدي بواسطة العقيدة، لا عن طريق قتل الناس، لكن بمحو الأفكار الخاطئة.