عاشت تركيا يومًا انتخابيًا وصفه الكثيرون بأنه تاريخي في الـ 24 من شهر يونيو/ حزيران، فقد ذهب ما يقرب من 60 مليون شخص إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد وأعضاء البرلمان. ووفقًا للمراقبين الدوليين والأحزاب الحاكمة والمعارضة، فقد كانت الانتخابات نزيهة ومنظمة. وكما كان متوقعًا، فقد فاز الرئيس أردوغان في الانتخابات وألقى خطاب الشرفة التقليدي الذي يُلقى على الحشود لإعلان الفوز في الساعة الثالثة صباحًا. وتحدث أمام عشرات الآلاف من المؤيدين الذين لم يغادروا على الرغم من إلقاء الخطاب في ساعة مُتأخرة من الليل، وقال إن الديمقراطية هي التي فازت في تلك الانتخابات ووعد بأن يكون رئيسًا لـ 81 مليون مواطنًا تركيًا، مشيرًا إلى أولئك الذين لم يصوتوا لصالحه. يُعد ذلك الفوز الانتخابي الثالث عشر لأردوغان، فبعد أن أصبح عمدة مدينة إسطنبول في عام 1994، بعدد أصوات لم يتجاوز 1,5 مليون، أصبح أردوغان أول رئيس تنفيذي لجمهورية تركيا بعد أن حصل على 26 مليون صوت بعد مرور 24 عامًا. تضافرت جهود مُعارضي أردوغان قبل الانتخابات وشكلت أحزاب المعارضة تحالفًا أُطلق عليه تحالف الأمة. وفي أعقاب ذلك، بدأت حرب دعائية كبيرة ضده على كل من وسائل الإعلام الاجتماعية والمطبوعة. وقد اعترفت الآن بعض شركات استطلاع الرأي بأنهم أدركوا أن أردوغان سيفوز ولكنهم نشروا نتائج استطلاع زائفة، لكي يبدو الأمر كما لو كان محرم إينجه هو من سيفوز. كما حظي التحالف المناهض لأردوغان على دعم أجنبي كبير، فقد حثت صحيفتا الجارديان والإيكونوميست، اللتان تمثلان جناحي وسائل الإعلام البريطانية، الناس على عدم التصويت لأردوغان. كما حشد مايكل روبين الذي ينتمي للمحافظين الجدد والصحيفة الليبرالية نيويورك تايمز الجهود ضد أردوغان. وقد أدلى السياسيون سواء اليمينيون واليساريون في البلدان الأوروبية مثل هولندا وألمانيا وبلجيكا والنمسا حيث يوجد عدد كبير من السكان الأتراك، بخطابات مناهضة لأردوغان. وقد كان هناك هجوم اقتصادي آخر أكثر شرًا وسريةً خلال فترة الحملة الانتخابية. إذ شهدت الليرة التركية انخفاضًا غير متوقع مقابل الدولار الأمريكي، على الرغم من نمو الاقتصاد التركي بنسبة 7% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018، وقد ساهمت هذه التلاعبات في خلق جو من عدم الارتياح وشعور بالضيق، بيد أن جميع هذه الجهود فشلت في منع الناس من الاندفاع إلى جانب أردوغان. تلقى أردوغان أكبر دعم من حزب الحركة القومية وقائده دولت بهتشلي، فقد أجرى الزعيمان تعاونهما الرسمي بتشكيل تحالف عُرف باسم التحالف الجمهوري وسعيا إلى التأكيد على فوز أردوغان في الانتخابات بأعلى نسبة أصوات لم يشهدها التاريخ السياسي التركي من قبل. وأدرك الشعب التركي الهجمات المستمرة التي تشنها بعض الدوائر الأجنبية ضد البلاد، مما عمق اعتقادهم بأنه لا يُمكن النجاح في هذا المسعى من أجل البقاء سوى تحالف أردوغان – بهتشلي فقط. لقد حددت هذه التوقعات نتيجة الانتخابات وأظهرت مرة أخرى الثقة والاحترام اللذين شعر بهما الأتراك تجاه الرئيس أردوغان.
يتفق الجميع على شيء واحد بشأن نتائج تلك الانتخابات: وهو أن الشعب التركي ورجب طيب أردوغان تمكنا من بناء رابطة غير قابلة للكسر، وأصبحت هذه الرابطة تزداد قوة كل يوم. ويملك المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي مشاعر مماثلة، فسرعان ما انتشرت بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع الفيديو التي تعرض المسلمين من جميع أنحاء العالم وهم يهتفون ويحتفلون بفوز أردوغان، فقد فرح الكثير من الناس في البلدان الإسلامية بفوزه على شاشات التلفاز من البوسنة إلى السودان، ومن فلسطين إلى سوريا. قررت بعض الدوائر الغربية النظر دائمًا إلى تركيا من نفس المنظور المتحيز، وبالتالي يواجهون مشكلة في فهم طبيعة البلاد، فهم لا يستطيعون فهم الوضع السياسي، أو المشاعر القومية المهمة بالنسبة للشعب التركي، ومن ثم يُدلون بتعليقات خاطئة. ومما لا شك فيه أن أولئك الذين لديهم مخططات شريرة بشأن تركيا، غير راضين عن هذه النتائج؛ إذ يُعد اسم أردوغان بالنسبة لهم رسالة تذكير بأنه لن يُمكن أن تصير تركيا معتمدة على الغرب، ولن تُستغل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وعلى وجه الخصوص، فإن التحالفات التي شكلتها تركيا مع روسيا وإيران والصين تقيها من أن تكون مجرد بيدق يفعل كما يقال له.
يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن الانتخابات التي جرت في الـ 24 من شهر يوليو/ حزيران الماضي، ستُحدث تغييرات مهمة في كل من تركيا والعالم. قُبيل الانتخابات، وعد أردوغان بإعادة بناء الدولة ويبدو أنه في المستقبل القريب، ستبدأ تركيا فترة نمو سريعة بالتوازي مع النظام الرئاسي الجديد. وسيعزز التحالف التركي الروسي، الذي يتجسد في مشروع قناة إسطنبول الجديدة، ومحطة «أكويو» للطاقة النووية، والمشتريات العسكرية مثل نظام الدفاع الجوي الروسي «إس -400»، هذه الصداقة. وسيواصل التحالف الروسي – الإيراني – التركي في اتخاذ خطوات بالغة الأهمية وحاسمة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وستستمر خريطة الطريق التي توصلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في مدينة منبج السورية إلى الاتفاق عليها، كما هو مخطط لها، وسيستمر العمل على إضعاف حزب الاتحاد الديمقراطي الذي أسسه القوميون الأكراد، وقوات وحدات حماية الشعب الكردية، وحزب العمال الكردستاني، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة. كما ستُعجل خطى الحرب ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وخاصة في منطقة جبل قنديل وحولها في شمال العراق على الحدود الإيرانية العراقية. باختصار، ستحدث العديد من التطورات المهمة في الأشهر القليلة القادمة.
وضع أردوغان قبل عامين خارطة طريق للتنمية في تركيا والشرق الأوسط ومنطقة القوقاز، ولتوجيه الانتباه على وجه الخصوص إلى الأعوام 2023 و2050 و2071. من شأن هذه الرؤية أن تضع تركيا في بؤرة الاهتمام، إذ سيجلب وجود دولة تركية قوية، تحظى بشكل خاص على الدعم الإيراني والروسي، وقيادة أردوغان القوية، الرخاء والاستقرار إلى المنطقة. ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي تعزيز أواصر التحالفات من خلال روابط الصداقة، ولا بد من إظهار أن صداقة الرئيس بوتين والرئيس أردوغان تتغلب على كافة العقبات، وستُمثل هذه الحقبة الجديدة فترة من الصداقة والتحالفات والروابط المتنامية على الرغم من الجهود التي يبذلها المتآمرون والانقلابيون والخونة ومحاولاتهم في نصب المكائد.