هذه الأيّام يتصرّف العالم إزاء الحرب الأهلية في سوريا بلا مبالاة غريبة، كما أنّ الوضع داخل سوريا كذلك مثير للحيرة. يُوجد مشهد آخر لسوريا مختلف تمامًا عمّا عهدناه من استخراج لأجساد الأطفال من تحت الأنقاض، وموت آخرين بسبب تعرضهم للغازات الكيميائية السّامة، أو مناظر المُدن وهي تُدمّر بفعل البراميل المتفجرة التي تُلقى عليها.
فالمناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، مثل حمص وطرسوس واللاذقية وحلب وجزء من دمشق لا تُبالي على الإطلاق بأصوات الحرب القذرة والمناظر المأساوية التي أفرزتها. فسكّان هذه المَناطق، لم يعدْ دويّ الطاّئرات الحربيّة التي تَنطلق بالقُرب منهم، ولا أصوات المَدافع التي تصل إلى مسامعهم من حوالي 20 إلى 25 كلم تثير فيهم أيّ نوع من الفُضول. فعند المساء تمتلء المقاهي وأماكن اللّهو الموجودة في هذه المدن بالرّواد، وتظلّ هذه المناطق في حركيّة ونشاط حتّى السّاعة الثانية بعد منتصف اللّيل.
فعلى بعد بضع كيلومترات لا يجد الناس أطباء ولا مستشفيات لتضميد جراحهم، بينما في المناطق التابعة للنظام ترى النساء يُقبلن بكثافة على المعارض وخصوصًا منها المُتعلّقة بمواد الزّينة والتّجميل. كما أنّ مسابقات الدّراجات الناريّة والسّيارات تجدُ اهتمامًا واضحًا من قبل المُحترفين من لبنان والأردن وسُوريا.
وفي فندن داما روز Dama Rose المشهور في دمشق لا تكاد تخلو ليلة من وجود عُرس زفاف فيه. وكل ليلة يمتلء سطح الفندق بمدعوين من الفنانين للغناء والطرب، أمّا شاطئ اللاذقيّة الذي يقع على بعد مسافة قريبة من مخيم اللاّجئين الفلسطينيّين فهو يعجّ خلال هذه الأيام الحارّة بمُرتاديه. فالعائلات تنصب موائدها على أرضية الشّاطئ وأفرادها يتمتعون بأجواء البحر.1 وبالنسبة إلى دمشق وطرسوس، فقد تحوّلت أماكن اللهو والمراكز التّجارية فيها، خصوصا بالنسبة إلى رجال الأعمال إلى أماكن مثالية للاستمتاع2.
ويجدر بنا التّذكير بأنّ الغوطة التي وقع استهدافُها بالغازات الكيماوية السّامة، وأصبحت حديث الإعلام تقعُ في ضواحي دمشق الجنوبيّة. وخلال الأيام الأخيرة تم قتل العشرات من المدنيين بلا رحمة في مدينة دوما التي تقع على بعد 10 كيلومترات فقط من دمشق. وقد كانت قوات نظام الأسد هي السّبب في المجزرتين اللتين تمّ ارتكابهما. وفي الوقت الذي كان الناس يفدُون على النّوادي الليلية والشواطئ والمقاهي على بعد بضع كيلومترات، كانت الجهود حثيثة لانتشال جثث الأطفال الأبرياء من تحت الأنقاض، وكلا المشهدين يحصلان في المكان نفسه ، في العاصمة السّورية.
لا شكّ أنه لا يُمكن إدانة كلّ شخص لأنّه أراد أن يُنقذ حياته أو أراد أن يلهو ويستمتع ويرتاد الأماكن الترفيهيّة ويذهب إلى البحر. ونحن ندرك بلا ريب، أنّ كثيرًا من النّاس لجأوا إلى هذه الأماكن بسبب الظروف القاسية التي تعرّضوا لها، وما نقصده في هذه المقالة هو اللاّمبالاة التي تكوّنت لدى النّاس بسبب الحرب. فمن حق أيّ شخص أن يستمتع، لكنه عندما يفعل ذلك بينما بجانبه أخاه وجاره يُقتلان بلا رحمة وبلا مبالاة من قبله فهي تعدّ جريمة حقيقية. الله تعالى بين لنا أن هذه الحياة الدنيا ليست مكانا للراحة، إنما هي مجال للامتحان لينظر كيف نتعامل مع بعضنا البعض بالخير والرّحمة.
حسنا، هل يعني هذا أن يبادر الشّخص فيمسك بيده سلاحا ويقتحم غمار هذه الحرب القذرة؟ بالطبع لا، إن أكثر الحروب تأثيرًا هي الحروب الموجهة ضد الإيديولوجيات والعقائد والمعارف والفلسفات الفاسِدة. وفي هذه الحرب يُمكن لكلّ شخص أن يكون له دورُه الفعال.
إن الحرب في سوريا بقدر ما تشغل الشّعب السّوري فهي كذلك سوف تشغل بقية شعوب الدّول الأخرى، لكن لن يكون ذلك بالقدر نفسه؛ فمن الناس من مات ضميره وتبلد إحساسه تماما، ومن الناس من لا يهمه سوى مصلحته الذاتية الضيقة، ومن الناس من لا توجد في قلبه ذرة رحمة، ومن الناس من يعتبر أن ما يراه من مشاهد الرّعب تمثّل له درسًا ومنبّهًا. وما نرجوه ونتمناه أن تقويّ هذه الحروب التي نعيشها الوازع الإنساني في البشرية وتوقظ فيهم ضمائرهم من أجل أن يهب الجميع لوقف هذه الحروب العبثيّة القذرة.
http://www.makkahnewspaper.