بقلم: هارون يحيى
عندما يتابع المرء ما يحدث في تركيا من تطوّرات في المصادر الأجنبيّة لا يستطيع أن يفهم على وجه الدّقة كيف اُبتلي الشّعب التّركي بفتنة الإرهاب.
ولنوضّح هنا بعض الأمور: خلال الأُسبوع الماضي اِمتدّت أيدي الغدر التابعة لحزب العمال الكُردستاني في الجنوب الشرقي من تركيا لتقتل في اليوم الأوّل 16 حنديّا تركيّا، وفي اليوم المُوالي 13 من رجال الشرّطة. ومنذ انتهاء وقف إطلاق النار بين الدّولة التركيّة وحزب العمّال الكردستاني قُتل خلال الشّهرين الماضيَين فقط أكثر من 100 فرد بين جيش وشُرطة من قبل هذا الحزب.
وتم قطع الطرقات واختطاف المرضى والسّطو على المستشفيات، والهجوم بالأسلحة النارية على البيوت، وحرق الشاحنات واختطاف آلاف الأطفال من بيوتهم من أجل دَمجهم في هذه المنظمة. ومنذ أياّم يستمرّ حظر التّجوال في مناطق كثيرة من جنوب شرق تركيا. وليس من السّهل الآن ضبط المنازل والمساجد التي اتّخذ منها أعضاء الحزب مخازن للأسلحة، ذلك أن مناطق كثيرة هنا قد دالت للحزب وأصبحت تحت سيطرته.
منذ بدء وقف إطلاق النار كنّا نبّهنا إلى ما يلي: إن حزب العمال الكردستاني منظمة لينينيّة تهدف إلى الاستيلاء على الأراضي التركيّة، وهي لن تتخلى عن الإرهاب حتى تحقق هذا الهدف، وبالتالي فهي لن تلقي أبدا سلاحها. وهي تظهرُ بمظهر من يرُوم السّلام لكنها في الحقيقة، تعمل على التسلّل داخل المدن والسيطرة على العديد من المواقع وتأسيس نظام يشبه نظام المافيا من أجل التحكّم في المنطقة بشكل كامل. ووقف إطلاق النار بالنسبة إلى هذه المنظمة هو مجرّد محطة من أجل التزوّد بكمّيات أكبر من السّلاح والتقاط الأنفاس من جديد.
وقد أثبتت الوقائع صحة ما كنا توقعناه من قبل، وإذا كنّا نريد حلاّ حقيقيّا لهذه المشكلة فيتيّعن شنّ حملة تعليميّة من أجل اقتلاع الشّيوعية بطريقة علميّة، وهذا ما كنّا أكّدنا عليه منذ زمن طويل. وأعتقد أنه لا ينبغي الانتظار أكثر وتضييع وقت أطول من أجل تجربة هذا الأسلوب، وهو الوحيد الذي لم يُجرّب إلى حد الآن.
في الوقت الذي يحدث فيه كل هذا تتبادر إلى الذّهن الأسئلة التالية، سواء شئنا أم أبينَا: كيف سيكون ردّ الفعل لو كانت الدّولة التي تعرضت إلى هذا القدر من الإرهاب دولة أخرى تابعة لحلف النّاتو غير تركيا ؟ ماذا كان سيحصل لو أن هذه المنظمة الإرهابية التي نتحدث عنها أقامت دولة على حدود إحدى الدول العظمى؟ هل تسير الأمور بشكل مختلف لأنّ تركيا هي الدولة الإسلامة الوحيدة والدولة الشّرق أوسطية الوحيدة في حلف الناتو؟
عندما كانت قوات التّحالف تساعد وحدات الحماية الكرديّة، بواسطة القصف على الحدود التّركية على إقامة دولة للأكراد داخل سوريا كنّا حذّرنا بأنّ: وحدات الحماية الكرديّة هي ذراع لحزب العمّال الكردستاني، وهي كذلك منظمة إرهابية، وهي تُدار من المكان نفسه ومُرتبطة بالقائد نفسه، وتدافع عن الإيديولوجيا نفسها، وهي إيديولوجيا تتناقض تماما مع وجود دول التّحالف نفسها. غير أنّ هذه التحذيرات لم يُعبأ بها، وبسبب ذلك تتعرض تركيا الآن لهجمات إرهابية مخيفة، تستهدف رجال الجيش والشّرطة من قبل حزب العمال الكردستاني. وهذا الحزب يحصل على كل إمكانياته ومعداته العسكرية من المناطق التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية داخل الأراضي السّورية.
وهذه الأسلحة وصلت إلى وحدات الحماية الكردية من قبل قوات التحالف بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامة "داعش". وفي الواقع فإنّ الإرهاب الذي يضربُ الأراضي التّركيّة في الوقت الحاضر يتمّ بواسطة سلاح التّحالف نفسه. وبالتالي فسلاح النّاتو، سواء بقصد أن غير قصد قد تمّ توجيهه إلى إحدى دول النّاتو نفسه.
حسنا، ما الذي ينبغي على تركيا أن تفعله؟ الحالة التي توجد فيها تركيا اليوم هي حالةُ حرب، وتبعا لذلك ينبغي على الفور إعلان حالة الاستنفار، وعند إعلان هذه الحالة سوف يتم جمع نحو 4 ملايين عسكري خلال 72 ساعة. ونحن بلا شك لا نريد سفك الدّماء، بيد أن الفتنة التي نحن فيها تستدعي التّضحية. أما بالنسبة إلى الوضع على الحدود مع سوريا، فبالرغم من ردود أفعال قوات التّحالف فيبغي توسيع الوجود العسكري التّركي عددًا وعتادًا في تلك المناطق.
في هذه المرحلة تُركيا أصبحت عاريةً من أيّ دعم من قبل النّاتو، بل يُطلب منها، إذا لزم الأمر، تقديم تنازلات لصالح الإرهاب، ومن هنا فإن تركيا لم تعد ملزمةً بالأخذ بمقترحات الدّول الأعضاء في حلف الناتو لأنّ هذه مسألة تتعلّق بوحدة الجمهورية التّركية، وهي أكثر المواضيع حساسية لدى الشّعب التركي. وعلى مرّ التاريخ لم يحن الشّعب التّركي رأسه أبدًا أمام أيّة منظمة إرهابيّة أو أيّة قوة مهما كانت شوكتها. ومن يُريد تجريب عزيمة الشّعب فإنّما هو يروم العبث.