على الرغم من أن هذا الأمر لا يقال بشكل رسمي في أغلب الأحيان، إلا أنه يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها الدولة التي تلعب الدور القيادي في الحروب والصراعات وعمليات الاستغلال السري بالإضافة إلى المشروعات العالمية في عالم اليوم. وبناء على ذلك، أصبحت الولايات المتحدة هدفًا لردود الأفعال الأكثر سلبية. وحتى بالنسبة للدول الحلفاء على غرار بريطانيا وفرنسا، تلك الدول التي تعمل معًا برفقة الولايات المتحدة في أغلب الأوقات وذلك بسبب القوة العسكرية المشتركة بينهم بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والسياسية التي تجمعهم، حتى هذه الدول لا تصبح عادةً هدفًا للنقد وردود الأفعال، وبالتالي فإن الولايات المتحدة هي من تمثل دائمًا الهدف لردود الأفعال الصاخبة تلك، فهي من تُدعى بالقوة الأكبر في العالم.
ومن خلال بعض الأسئلة التي نطرحها حول قيام الولايات المتحدة من عدمه، بتنفيذ هذه السياسات بشكل مستقل أم أن الأمر يتوقف على تأثير بعض القوى الغامضة والخفية، ربما يمكن أن نُلقي بعض الضوء على التالي: لماذا تبدو الولايات المتحدة حاليًا هي الهدف رقم واحد للمتطرفين؟ هل الولايات المتحدة تمثل حقًا قوة عالمية مستقلة أم أن دورها قد حددته بعض القوى الأجنبية؟ هل تنبع مشاركة الولايات المتحدة في هذه الحروب من طموحها الإمبريالي الذي حددته من تلقاء نفسها، أم أنها انجرفت لهذه الحروب ثم جرى استغلالها؟
ولكي نتمكن من فهم الإجابات على هذه الأسئلة بدقة، ربما يكون من المفيد أن نتذكر حقيقة أن الولايات المتحدة قد عانت من الإمبريالية نفسها في المقام الأول.
تمكنت 13 مستعمرة في شمال أمريكا، تلك المستعمرات التي سقطت تحت وطأة وضغط الإمبراطورية البريطانية، من الانتصار في حرب الاستقلال عام 1783، وبذلك وضع حجر الأساس للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة اعتمدت سياسة العزلة ضد أوروبا عقب الحرب، إلا أن ذلك لم يكن مريحًا بالنسبة لأوروبا التي كانت لديها مصالح في أمريكا آنذاك.
في الثاني من ديسمبر عام 1923، أصدر الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو تحذيره التالي في رسالة إلى الكونغرس: "إن الولايات المتحدة لا تتدخل في القضايا الخاصة بأوروبا وليست لديها مصالح في أوروبا. وفي المقابل، يجب على أوروبا ألا تشغل نفسها بأمريكا. وعلى الرغم من ذلك، فإذا حاولت أوروبا أن تجد موطئ قدم لها في القارة الأمريكية أو حاولت أن تقوم بمغامرة استعمارية، فإن الولايات المتحدة ستعتبر ذلك عملًا عدائيًا" .
ومع ذلك، لم يتوقف تدخل الإمبراطورية البريطانية في شؤون الولايات المتحدة. ومن خلال دفع الولايات الجنوبية إلى التمرد، وتأجيج الحرب الأهلية، تمكنت الإمبراطورية من الحفاظ على جهودها فيما يتعلق بأمرين هما إحباط مكافحة لينكولن للعبودية بالإضافة إلى محاولة استرداد الولايات المتحدة، إلا أن الإمبراطورية البريطانية لم تنجح في ذلك.
ويمكن من خلال بيان الاقتصادي البريطاني ستانلي جيفونز الذي أصدره في عام 1865، معرفة ما الذي يعنيه أن تصبح الولايات المتحدة متحررة بالنسبة للعقلية الاستعمارية البريطانية، إذ قال ستانلي في بيانه: "إن سهول أمريكا الشمالية وروسيا هي حقول الذرة التي نمتلكها، وشيكاغو وأوديسا هي مخازننا، وفي البراري الغربية من أمريكا الشمالية نمتلك قطعان الثيران، كما نمتلك القطن في هذه البراري، هذه الأراضي التي لطالما كانت تقع في جنوب الولايات المتحدة، تتمدد حاليًا عبر كل المناطق الدافئة من الأرض" .
(صعود وسقوط القوى العظمى لبول كينيدي 1987)
تحارب الولايات المتحدة ضد الكولونيالية منذ تأسيسها، ومنذ ذلك الحين وهي تمثل هدفًا للكولونيالية، وحافظت دائمًا على موقف حذر تجاه التهديدات الكولونيالية ضدها. ومن خلال معرفة هذا التاريخ بالإضافة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة معروفة بالتزامها بالتقاليد والمبادئ الوطنية والقومية، يمكن لأي شخص القول بأن الأمور قد تغيرت فجأة، وأن مثل هذا الطموح والتوجه الإمبريالي للولايات المتحدة لا يقيّم بعقلانية كل الحقائق المطروحة.
بسبب مكانتها وبوصفها قوة عالمية عظمى بالإضافة إلى كونها مركزًا للاقتصاد العالمي، فإن الولايات المتحدة لديها صلات مع كل دول العالم. وكانت التدخلات التي نفذتها في جميع أنحاء العالم تصب في صالح دول أخرى في بعض الأحيان، وعلى حساب بعض الدول في أحيان أخرى. ومع ذلك، فإن هذه التدخلات لا تعكس إمبريالية كولونيالية. التفسير الوحيد للوضع الحالي هو أن هناك محاولات لجر الولايات المتحدة إلى مشاريع كولونيالية وصراعات عالمية من خلال سياسة فرض الأمر الواقع والمؤامرات المعقدة.
http://www.raya.com/news/pages/5ae5ea70-caa5-4d70-9ce2-1698c4c8087e