عقد في الآونة الأخيرة، بوتين وأردوغان وروحاني – قادة روسيا وتركيا وإيران على التوالي، الدول الضامنة الثلاثة لعملية أستانا للسلام – اجتماعًا في أنقرة. وكان يكتسي هذا اللقاء المبرمج منذ مدة، أهمية خاصة، باعتبار أن تركيا كانت الوجهة الأولى لزيارة بوتين الدولية بعد فوزه في الانتخابات.
بالإضافة إلى استئثارها بتغطية إعلامية واسعة في صحافة البلدان الثلاثة، استحوذت القمة الثلاثية على الاهتمام العالمي أيضًا. وتحمل زيارة بوتين إلى أنقرة، التي وصفها التلفزيون الروسي (روسيا تي في1) بأنها تاريخية، وبأنها قربت بين الدولتين مثلما لم يسبق لهما من قبل على الإطلاق، أيضًا رسالة إلى بعض مجموعات القوى العميقة التي لم توفر فرصة، إلا واستخدمتها لإثارة العداوة بين روسيا وتركيا.
من الجدير بالتذكير أن آخر مرة حاولت فيها تركيا وروسيا توثيق علاقتهما، قد نجم عن تلك المحاولة عواقب وخيمة، مثل الإطاحة برئيس الوزراء السابق عدنان مندريس في 27 مايو (أيار) 1960، قبيل زيارته المزمعة إلى روسيا، ونفس الشيء حدث مع رئيس وزراء سابق آخر هو سليمان ديميريل، الذي تم الانقلاب عليه في 12 مارس (آذار) بسبب حظره طائرات التجسس (U-2) المتمركزة في تركيا من القيام بعمليات استطلاعية فوق روسيا وتعاقده مع الروس لبناء منشآت سيديسيهير للألمنيوم، ومصنع حديد أسكندرون ومصفاة ألياغا.
تشكل جهود الدعاية السوداء التي تنفثها نفس المجموعات في الآونة الأخيرة ضد روسيا ورئيسها بوتين، وتركيا ورئيسها أردوغان، مؤشرًا آخر على السياسة القذرة المتبعة من قبل هذه الأطراف. من الآن فصاعدًا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتخلى عن محاولاته لعرقلة توثيق علاقات الجوار والصداقة والتعاون والتحالفات الطبيعية والمشروعة بين تركيا وروسيا وإيران، وأن يتعلم هذا المجتمع التعايش مع هذا الواقع، تمامًا مثل تعايشه مع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية الجوارية الوثيقة مع كندا وتحالفها وتعاونها مع بريطانيا، دون أن يثير ذلك مشاعر الاستياء.
كونها عضوًا في الناتو لا يشكل عقبة أمام تركيا للحفاظ على علاقاتها الجيدة مع جيرانها الدائمين منذ أمد طويل، جيران تشترك معهم في علاقات جغرافية واستراتيجية. في واقع الأمر، لم تشارك تركيا أبدًا في أي من حملات الضغط والعقوبات التي تستهدف روسيا، ولم تتخذ قرار ترحيل الدبلوماسيين الروس من البلاد كما فعل حلفاء الناتو.
علاوة على ذلك، فإن مشروع محطة أكويو للطاقة النووية، الذي حضر مراسم احتفال تدشينه كل من أردوغان وبوتين، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، قد تم إنجازه من قبل روسيا، مثله مثل صفقة منظومة الدفاع الجوي من طراز (S-400) التي أبرمتها تركيا مع روسيا كعضو في حلف الناتو، وتم وضع الصيغة النهائية لها وسط ذهول العديد من دول الناتو.
من ناحية أخرى، أثناء محاولة الانقلاب في 15 يوليو (تموز)، بينما كانت العديد من دول حلف شمال الأطلسي تنتظر بصمت مريب عما سيتمخض عنه، وقد سارع بعض هذه الدول في الواقع، إلى إصدار تصريحات ورسائل دعم صريح أو مبطن، لمدبري الانقلاب، قدم بوتين في تلك الأثناء الدعم لأردوغان بطريقة أكثر صراحة وثباتًا.
مرة أخرى كانت روسيا هي التي أعربت عن دعمها القوي للعمليات التي تنفذها تركيا بهدف تطهير البلد من منظمة إرهابية تابعة لوحدات الحماية الشعبية الكردية، حزب العمال الكردستاني (YPG/PKK) المنتشرة عبر حدودها الجنوبية من خلال التعاون بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقدم بوتين لتركيا مساعدات لا تقدر بثمن في عمليات درع الفرات ومعركة غصن الزيتون التي أطلقت لتطهير المنطقة من الإرهابيين، من خلال توجيه الأمر بفتح المجال الجوي السوري إلى الطائرات الحربية التركية.
بالطبع، كل هذه التطورات لا تعني أن تركيا قد أدارت ظهرها للغرب وحلف الناتو، بل إنها مجرد مؤشر على أن تركيا تتمتع بشخصية قوية، وتدرك حقوقها ومسؤولياتها الإقليمية، وهي مصممة على الاضطلاع بدور نشط في معالجة القضايا في تحالف وثيق وتضامن مع جيرانها وتطوير سياسات عقلانية وسلمية تحمي مصالح المنطقة. ومن هذا المنطلق، يمكن النظر إلى الصداقة والتعاون بين تركيا وروسيا كنموذج عظيم للعلاقات الدولية والجوارية السليمة. إن السياسات العقلانية والحكيمة التي تنتهجها الدولتان، والتي تحترم مصالح وحساسيات كلٍّ منهما تشكل أيضًا عاملًا يسهم في دعم هذه الصداقة وتحسين العلاقات. ومن هذا المنطلق، تعتبر العلاقات التركية الروسية نموذجًا جيدًا يثبت أنه من الممكن للدول المجاورة المرتبطة بتحالفات أو اتحادات مختلفة أن تتبع سياسات مشتركة وتطور علاقات ناجحة للغاية ترتكز على الاحترام المتبادل والصداقة والتفاهم.
https://www.sasapost.com/opinion/stronger-alliances-stronger-achievements/