منذ الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية لم تصل العمليات العسكرية في العالم الإسلامي إلى نهاية، تم غزو العراق وأفغانستان، وخسر ما يقدر بثلاثة ملايين مسلم حياتهم، وتعرضت ليبيا للقصف لأشهر عدة، وفي النهاية انهارت حكومتها، واليوم، الشعب في بلد كان يوما مزدهرا يستطيع بالكاد توفير طعامه.
تعاني الأراضي السورية من القصف يوميا في السنوات الخمس الماضية، حيث لقي هناك نحو 600 ألف شخص حتفهم، وأجبر ستة ملايين على ترك بيوتهم وأراضيهم، وتم جر اليمن إلى صراع. محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والانقلاب الناجح في مصر، والحرب الأهلية بين الشيعة والسنة في البحرين التي أوقفت بالكاد، والتوتر بين السعودية وإيران الذي تصاعد إلى حافة الحرب الشاملة، مأخوذة أيضا في الاعتبار، من السهل رؤية الخطر الذي يواجه العالم الإسلامي.
العملية العسكرية التي أطلقت مؤخرا في الموصل رفعت هذا الخطر إلى مستوى أعلى. جيش مسلح يتكون بشكل كبير من ميليشيات شيعية يقوم بعمليات عسكرية في مدينة سنية فيها مليون سني، أمر قد يتسبب في إشعال فتيل حرب طائفية قادرة على الامتداد بسهولة للمنطقة كلها.
أصبحت الموصل مقاطعة عثمانية منذ 500 عام وسط تاريخ يمتد 4500 عام، وكانت محافظة الموصل منذ ذلك الوقت وحتى الاحتلال البريطاني عام 1918 عاصمة الإمبراطورية العثمانية. يتكون سكان الموصل من الأتراك والأكراد، وتمتد محافظة الموصل على مساحة تزيد على 90 ألف كلم مربع، بما فيها الإدارة الكردية الحالية في شمال العراق.
دخلت الموصل في دائرة اهتمام الإمبريالية البريطانية بعد اكتشاف حقول البترول فيها، وتم غزوها في تحد لهدنة مودروس عقب الحرب العالمية الأولى، لم يصل أحد إلى حل فيما يتعلق بقضية الموصل في معاهدة لوزان، والتي رسمت حدود الجمهورية التركية المؤسسة حديثا.
هناك مادتان في معاهدة أنقرة الموقعة عام 1926 تؤثران على الظروف الحالية: وضعت الدولة التركية عند توقيع المعاهدة ملاحظتين تتعلقان بهاتين المادتين. أهالي الموصل المكونين من الأتراك والأكراد أصبحوا أقلية في الدولة العراقية العربية. ولهذا السبب، حماية حقوق الأقليات كانت ضمن شروط تركيا لتوقيع المعاهدة، وعلاوة على ذلك، طبقا لتلك المعاهدة، فإنه عند تعرض وحدة أراضي العراق للخطر تحتفظ تركيا بحق الاستئناف لدى الأمم المتحدة لطلب استفتاء بمنطقة الموصل لتقرير مصيرها.
سياسة الدولة التركية الحالية هي حماية حقوق كل الأفراد في المنطقة، بمن فيهم الأتراك، والأكراد، والعرب السنة، الذين استوطنوا المنطقة لاحقا، وبالإضافة إلى ذلك تنشط منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية في المنطقة. ولدى المخابرات التركية معلومات عن أن هجوم الجيش العراقي على الموصل شارك فيه 3500 عنصر من ميليشيات حزب العمال الكردستاني، وتتوقع الحكومة التركية أن تأسيس حكومة في الموصل تحت مظلة تعاون بين حزب العمال الكردستاني وميليشيات الشيعة في مرحلة ما بعد العمليات العسكرية سوف يجر المنطقة إلى أتون مشتعل، وهو الافتراض الذي لا يمكن اعتباره غير مبرر نهائيا، إذ ارتكبت ميليشيات الشيعة مذابح على نطاق واسع في المدن السنية التي سقطت سابقا مثل الفلوجة وتكريت.
تنتشر سبع حاملات طائرات، ونحو مئة سفينة حربية، وعشرات الآلاف من قوات التحالف في مياه البحر المتوسط، على مسافة تبعد بالكاد 500 كلم غرب الموصل. الصواريخ التي تطلق، والطائرات الحربية التي تقلع من هذه السفن تقصف سوريا والعراق بلا انقطاع، ولا توجد خطط واقعية تتعلق بكيفية تحقيق السلام في المنطقة.
وبسبب الحرب الأهلية السورية اضطر ثلاثة ملايين سوري إلى اللجوء لتركيا، ويتوقع من مئات الآلاف من الحلبيين الفرار إلى تركيا عقب سقوط حلب، والتي تقع على مسافة 50 كلم فقط من الأراضي التركية، بينما يقع مركز مدينة الموصل على مسافة 100 كلم فقط عن تركيا، في حال استمر الصراع واستمرت المذابح في الموصل ستصبح الأراضي التركية مرة أخرى الملاذ الوحيد للمدنيين في الموصل ومدينة تلعفر القريبة منها، وتتطلع تركيا إلى استقبال إخوانها وأخواتها بأذرع مفتوحة.
هناك محاولة تجري مع بدء عملية الموصل لخلق جو من الصراع بين الحكومتين المركزيتين في العراق وتركيا، بحيث تبقى الموصل موضوع نزاع بين تركيا وحكومة العراق الشيعية، ولهذا أصبح ادعاء أن هذا سيؤدي إلى حرب طائفية أمرا شائعا. ستهدف المرحلة الثانية من الخطة - بناء على النزاع المصطنع المذكور آنفا - إلى تبرير الحاجة للتواجد المتواصل لقوات التحالف في الموصل. وعلاوة على ذلك أصبح مخططا للموصل أن تصبح منطقة حكم ذاتي تحت إشراف دولي.
الطريق إلى إحباط تلك الخطوة يأتي عبر تحالف شعوب المنطقة، فالمسلمون حراس لبعضهم بعضا، وسلامة ورخاء المسلمين يمكن أن يتحققا عندما يتضامن إخواننا المسلمون جميعا.