بقلم: هارون يحيى
في الأسبوع الماضي كان من أبرز المَواضيع التي شدّت الانتباه هي المزاعم التي تقول بأنّ روسيا أرسلت جنودًا وعتادًا عسكريّا إلى سوريا، وكذلك مسألة المُقاربة الرّوسية من أجل حلّ الأزمة السّورية والتي عرضتها على الولايات المتحدة الأمركية.
أصرّت روسيا على أنّ المزاعم بإرسال أسلحة ليس بهذه الدّرجة من التّهويل، واكتفت بالقول بأنّ هناك معاهدات عسكريّة مع سوريا ما زالت مستمرة منذ فترة الحرب الباردة، وهذا الأمر ليس سرًّا. بيد أن مصادر متنوعة من المنطقة تصرّ على أنّ روسيا تقوم حاليًّا بتطوير القاعدة العسكرية في طرطوس، وتقوم بتحضيرات من أجل تجديد القاعدة الجويّة في اللاّذقيّة.
عندما نقوم بتقييم التّطورات الحاصلة بشكل محايد ومن زاوية واسعة ندرك أنّه ليس من الصّعب فهم المخاوف الرّوسية. فالنّظام السوري تتهدّده مخاطر حقيقية في دمشق وحلب، وروسيا لديها مخاوف حقيقيّة تتمثل في الأمرين التّاليين: فقدان قاعدتها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط، ووصول الإرهاب الرّاديكالي إلى منطقة القوقاز.
ولهذه الأسباب فإنّ روسيا، في هذه الأثناء يبدو كما لو أنّها رسمت حلاّ بخصوص المسألة السّورية من خلال الاتفاق مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ولذلك تُحاول إقناع الولايات المتحدة الأمريكيّة بثلاثة أمور مهمّة: 1. أن لا يكون ذهاب الأسد من السلطة شرطًا للحلّ. 2. العمل على مُجابهة الإرهاب بالتعاون مع الاستخبارات الرّوسية. 3. البحث عن السبل الكفيلة بجمع النّظام في سوريا مع قسم من المعارضة.
عندما نحاول تقييم الأحداث من وجهة النظر الرّوسيّة يكون من المُناسب وضع تحليل فيما يتعلق بالشّروط التي وضعتها. وعند النظر إلى الوضع العام في سوريا، يمكن ملاحظة أن النظام هناك يسعى إلى هدف محدّد يتمثّل في التّحصّن ضمن حدود معيّنة.
ونتيجة لذلك فإنّ ما قامت به إيران من قبل من أجل إبقاء منطقتي اللاّذقية وطرسوس تحت إدارة النّظام يجعلنا نفهم بأنّ الاتفاقية التي تم إبرامها مع روسيا في هذا الخصوص أمرٌ منطقيّ. غير أنّ الشّرط الأصليّ في هذه الاتفاقيّة هو وقف القصف عن المَناطق الواقعة خارج هذا المجال. وبالتالي ضرورة وضع حدّ لقتل المدنيّين بشكل كامل. أما المناق السّورية الأخرى فتبقى موضع نقاش. والطّريق الأسلم من أجل رفع التّهديد من قبل الجماعات الراديكالية عن هذه المناطق هو تشكيل مجال آمن واسعٍ، وإحالة موضوع حفظ الأمن للدّولة التّركية الجارة.
وبالنسبة إلى موضوع حفظ الأمن وتقديم معلومات استخباراتية فإنها تجعل مسألة إيواء عناصر راديكالية خال من أي معنى، وهذا الأمر سوف يسمح بحماية السكان المقيمين في المناطق التي يسيطر عليها النظام. وبالإضافة إلى ذلك فإن الضّمانة التّركيّة سوف تجلب معها على نحو من الأنحاء حماية النّاتو.
لكن من أجل تحقيق هذا الهدف، من الضروري إزالة العقلية البعثية بصورة كاملة. فالذّهنية اليساريّة لحزب البعث أصبحت باليةً ولن تحظى بالقبول لدى أيّ شعب من الشّعوب. وفر ض هذه العقليّة من جديد سوف يجلب معه اليأس للشّعوب، وبسبب هذه العقلية سوف تظل شعوب الشّرق الأوسط متحفّزة للثورة ولن تهدأ أبدًا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستجابة لشرط روسيا ينبغي أن تكون قائمة على شرط وقف نزيف الدّماء. فنحن لا نسمح بقتل المُسلمين الموجودين هناك ولا بقتل الجُنود الرّوس الذين تمّ إرسالهم إلى هناك. كما أنّنا لا يمكن أن نقبل على الإطلاق بتقسيم سوريا إربًا إربًا. وفي حالة ما إذا تم تغيير الذهنيّة البعثيّة وإحلال السّلام في المنطقة، فإنه خلال فترة قصيرة يُصبح من الممكن إحياء العملية الدّيمقراطية من جديد وإجراء الانتخابات في كامل أنحاء سوريا.
وعلى هذا النحو يُصبح ثالث شرطٍ لروسيا قد تحقّق بالفعل، وتصبح إدارة حُكم البلاد بيد النّظام وبعض الأسماء من المعارضة المعتدلة على حدّ سواء. وأفضل طريقة للدّيمقراطية هو التّشارك، وسوف تتمكن سوريا من بلوغ هذه التشاركيّة لأوّل مرّة.
للأسف لا تزال الدّماء تُسفك باستمرار، ويمكن التوصل إلى حلول جيّدة من أجل وقف هذا النّزيف عن طريق التّفاهم. وإذا كانت روسيا تُريد بالفعل توفير مناخ للسّلام عبر عقد اِتفاق سلام مع الغرب فإنه عليها أن تأخذ العبرة والدروس من الماضي والتوصل إلى حلول عقلانية في هذا الخصوص، وهذا شيء ممكن تماما. وأي حلّ يسعى للمسألة السوريّة لا يكون فيه سفك لدماء سوف يكون محل ترحيب ودعم من قبل جميع الدول وفي مقدمتها الدولة التركيّة.