يبدو أن الوقت الحالي يشهد حصاد ثمار الخطوات ذات النوايا الحسنة التي أخذتها تركيا ومصر من أجل رأب الصدع الذي أصاب من قبل العلاقات بين البلدين، فضلاً عن أن العلاقات التجارية والاقتصادية تسير بخطى سريعة في هذا الاتجاه.
حضر رفعت هيسارسيكليوغلو، رئيس الاتحاد التركي للغرف والسلع ونائب رئيس رابطة الغرف الأوروبية للتجارة والصناعة، مؤتمر الاستثمار الثالث في مصر. ألقى هيسارسيكليوغلو الخطاب الرئيسي وتوجه بالشكر إلى أحمد الوكيل، رئيس الغرفة التجارية في مصر، لاستضافته هذا المنتدى الناجح. كما التقى هيسارسيكليوغلو لاحقًا بمجموعة من رجال الأعمال الأتراك في القاهرة، قبل مقابلته مع طارق قابيل وزير التجارة والصناعة المصري.
كان وفد الاتحاد التركي للغرف والسلع قد شارك العام الماضي، بعد أربعة أعوام من انقطاع الاتصال، في منتدى الأعمال المصري التركي الذي عُقد في مصر. التقى الوفد التركي، الذي ترأسه هيسارسيكليوغلو وضم ممثلين لشركات تركية في مصر، مع نظرائهم من 80 شركة مصرية، ثم قاموا بزيارة السيد طارق قابيل وزير التجارة المصري، وهي الزيارة التي علق عليها هيسارسيكليوغلو قائلاً: «انتهينا من اللقاء الأول على المستوى الوزاري».
تتمتع البلدان دائمًا فيما بينهما بالعلاقات المثمرة التي أصبحت أقوى بصورة خاصة بعد بداية القرن الجديد، لدرجة أن الارتفاع المستمر في مستوى التجارة بين البلدين وصل إلى مستوى بلغ فيه حجم التبادل خمسة مليارات دولار في العام الواحد، وذلك قبل أن تصيب هذه العلاقات الأزمة الدبلوماسية المعروفة. ونتيجة لذلك، انخفض مستوى صادرات تركيا إلى مصر بنسبة 5% في عام 2015 لتصل إلى 3.1 مليارات دولار، ثم انخفضت مرة أخرى في 2016 بنسبة 12.7 لتصل إلى مليارين و700 مليون دولار. ومع ذلك، لا تزال مصر البلد الإفريقي الذي تبادلت معه تركيا التجارة بمستويات رائعة. وبالمثل، يتجاوز حجم الاستثمارات التركية في مصر أكثر من ملياري دولار. يعقد الطرفان العزم في الفترة الحالية على استعادة -بل وزيادة- هذه المستويات المبهرة من العلاقات التجارية، فقد تمكن البلدان من الوصول إلى مستوى الأربعة مليارات دولار مرة أخرى خلال عام 2016، كما شهدت الشهور السبعة الأولى من عام 2017 صفقات وصلت إلى مليارين و400 مليون دولار. فضلاً عن أن المستثمرين الأتراك يؤسسون لمستوى تجاري يتراوح بين خمسة وستة مليارات دولار في السوق المحلي المصري ويوفرون فرص عمل لـ 75.000 موظف مصري. يحتل المستثمرون الأتراك المراكز الثلاثة الأولى في قائمة المستثمرين الأجانب في مصر على صعيد حجم الاستثمار ومستويات التوظيف.
يتضح الآن أن العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية بين تركيا ومصر، التي توترت حتى وصلت إلى نقطة الانهيار خلال عام 2013، تتحرك بخطوات أسرع من نظيرتها الدبلوماسية والسياسية. كما عبرت الرسائل الأخيرة من الجانبين عن رغبة قوية في تطبيع العلاقات، كما يُظهرون أيضًا بوادر تشير إلى تسارع خطى التقارب.
بدأت في الواقع أولى إشارات المصالحة مع بداية عام 2016، بعد أن أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري بصدق عن أهمية التعاون، عبر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن أفكاره بترحاب مماثل على التلفزيون التركي، وأعطى رسالة قوية بشأن العلاقات التركية المصرية. قال يلدريم «الحياة تستمر، نحن نعيش في نفس المنطقة ونحتاج إلى بعضنا… كما أن لدينا روابط جغرافية، ناهيك عن ذكر روابطنا الدينية والثقافية… سيكون من الجيد لرجال أعمال البلدين أن يزوروا بعضهم، ويزيدوا من حجم استثماراتهم. قد يساعد هذا في تطبيع علاقاتنا. يمكننا حتى البدء باجتماعات على المستوى الوزاري. يعتبر هذا ممكنًا، ولا يوجد شيء يحول دون هذا، نحن مستعدون لهذا بكل صراحة، وليس لدينا أي تحفظات في هذا الصدد».
بعد هذه الرسائل الودية من كلا الطرفين، حضر وفد برلماني تركي جلسة الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط التي عُقدت في القاهرة في شهر سبتمبر الماضي واتخذوا خطوة أخرى نحو المصالحة، حضر وفد برلماني آخر بعد فترة قصيرة من ذلك ورشة عمل للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في أكتوبر التي عُقدت لدراسة العلاقة بين البرلمانات والسلطات القضائية في مسألة مكافحة الإرهاب.
تعتبر مصر وتركيا بلدين تربطهما علاقات صداقة وأخوة ذات روابط دينية وثقافية وتاريخية قوية وضاربة في القِدم، كما اختلط الشعبان لقرون من الزمان وتشاركا فيما بينهما عددًا من القيم المشتركة، ناهيك عن وجود رابط اجتماعي قوي، لذا سيكون من الخطأ التاريخي أن نترك أي مشكلات مفتعلة تضر بهذه الصداقة الرائعة بين البلدين. من الضروري واليسير على هذين البلدين القويين اللذين كانا موطنًا لحضارتين عظيمتين في الماضي، أن يبدآ عهدًا جديدًا من التعاون والتحالف القويين، ما سيجعلهما أيضًا قوى عظمى في العالم. لن يقتصر الدور الذي سيضطلع به زيادة مستوى التجارة بين البلدين على الإسهام في تنمية اقتصادهما، بل إنه أيضًا سيجلب موجة جديدة من الازدهار والنشاط للمنطقة. تعتبر تنمية العلاقات التجارية جيدة دائمًا لبناء التحالفات والروابط الودية. ومن أجل هذه الأسباب، يمكن أن يقود الإبقاء على قوة الروابط التجارية إلى اتخاذ خطوات قوية جدًا، إذ يعبر كلا البلدين عن استعدادهما وحرصهما على ذلك، ونأمل أن يكون 2018 عامًا تُرسى فيه قواعد هذا التعاون القوي المترسخ.