إن المعارك المستعرة في اليمن على نار هادئة لكن بشراسة، والتي اختار العالم أن يتجاهلها منذ عام 2015، تُقدم للعالم تنبيهًا مؤلمًا ومُروعًا على ضراوة الصراع الدائر على السلطة.
تمثل نقاط الاختناق أهم سبعة ممرات في العالم، وأكثر المواقع حساسية، من بين هذه النقاط، مضيق باب المندب. ومن خلال ربط الجزيرة العربية وأفريقيا، يشكل باب المندب من حيث موقعه الاستراتيجي جوهر هذه الصراعات، ولطالما اعتُبر اليمن الرازح تحت الفقر، رغم ثرواته الهائلة من الموارد الطبيعية، مسرحًا سهلا ومناسبًا للصراعات، ونظرا لافتقار اليمن للمصادر المالية والاستقرار الضروري، لا يملك هذا البلد القاعدة الأيديولوجية الراسخة التي تمكنه من الصمود في وجه التدخلات، ما يجعله ضحية ضعفٍ وهشاشةٍ وطمع الأطراف المتصارعة.
قُتِل خلال الحرب الأهلية المتواصلة على مدى السنوات الثلاث الماضية، عشرة آلاف شخص، هذا إلى جانب الخسائر البشرية الناجمة عن الحصار الأخير، الذي حرم البلد من استيراد المواد الغذائية الأساسية والنفط والأدوية، والأهم من ذلك، حرمان مناطق واسعة في البلد من التزود بمياه الشرب، وبسبب صعوبة الحصول على النفط، يكاد يستحيل العثور على المياه الصالحة للشرب، ما أسهم في زيادة حالات الكوليرا والدفتيريا، التي بسببها يفقد العديد من المدنيين حياتهم، رغم إمكانية التصدي لمثل هذه الأمراض وعلاجها بسهولة في ظل ظروف عادية. وقد أصيب -وفقا للتقديرات المتوفرة- 900 ألف شخص بالكوليرا منذ أبريل، ما جعل منظمة الصحة العالمية تصف هذه الوضعية «بأكبر حالة لتفشي الكوليرا في التاريخ» ، وأصبحت المشاهد البائسة في البلاد محزنة للغاية، حيث يمكن في كل مكان رؤية أجساد الضحايا المنهكة تعاني من شدة الهزل نتيجة صراعها مع المرض. ويذكر أحد موظفي اليونيسف في اليمن أنه بعد مقتل الرئيس السابق صالح، لم يعد يسمح لهم بتوزيع المساعدات، ما زاد وضع المدنيين سوءا، مشيرًا أيضا إلى عملية تصعيد المعارك بعد مقتل الرئيس السابق صالح، وأنه وفقا لموظفي الصليب الأحمر العاملين في الميدان، ارتفع عدد الضحايا المدنيين بشكل ملحوظ، ما يجعل الوضع في اليمن بحاجة ماسة إلى حلٍ عاجلٍ.
ومن نافلة القول إن بوسع الأمم المتحدة القيام بالكثير من الأشياء، لتخفيف معاناة الناس في اليمن، ويمكن لمجلس الأمن الدولي أن يتخذ إجراءات من خلال فرض عقوبات مختلفة، خاصة لمواجهة هذه الجرائم ضد حياة البشر، لكن للأسف، لم تتخذ الأمم المتحدة حتى الآن، أي إجراء فعال، ما عدا تقديم المساعدات الإنسانية، ويعود هذا الخلل في معظمه إلى التنظيم غير المحكم لنظام تسيير منظمة الأمم المتحدة الذي يحتاج إلى مراجعات عاجلة، وللتذكير، يمنح القرار 2216 لمجلس الأمن تبريرا للائتلافات بين الدول، للتدخل في شؤون البلاد مثل اليمن. ووفقا لهذا القرار الصادر عن الأمم المتحدة، فإن أنشطة الجماعات المَوْصوفة بالمجموعات الإرهابية، تبرر شن الهجمات وفرض الحصار على البلاد التي تعمل فيها هذه المجموعات، ولذا فإننا نكرر مرة أخرى دعوتنا إلى إعادة النظر في لوائح وسلطات الأمم المتحدة، ولا سيما في عالم اليوم الذي أصبح يعج بالجماعات الإرهابية.
ولقد أصبح مطلوبًا بإلحاح توجيه نداءات إلى الأمم المتحدة من أجل اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية، مع الإشارة إلى أن الأمم المتحدة ليست الهيئة الوحيدة المطالبة بالتدخل لوقف إراقة الدماء ومساعدة الأبرياء. في هذا الصدد يمكن للتحالفات التي ساهمت في إيجاد حلول للقضية السورية -حتى وإن كانت بطيئة- اللجوء إليها لتقديم يد العون في أزمة اليمن. وتحقيقًا لهذه الغاية، من الأهمية بمكان، أن يباشر الطرفان الفاعلان في المنطقة: تركيا وروسيا، مفاوضات كوسطاء للخروج باتفاق يفضي إلى حل لهذا النزاع. وقد أثبتت روسيا أيضا، من خلال مساهمتها في عملية السلام بشأن الأزمة السورية، أنها تُشكل أحد الفاعلين البارزين في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن تسفر مساعيها كوسيط في تسوية، تبدأ أولا بوقف إطلاق النار الذي يسمح بتوزيع المساعدات الإنسانية للمدنيين، تليها استراتيجية لتثبيت حالة استقرار، تتيح إمكانية التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف المعنية.
ولا شك أن مثل هذا التحالف بين الدولتين القويتين في المنطقة، سيكون محل ثقة ومصداقية، كونه يصدر من تحالف إقليمي، خاصة أنه ذو توجُه تصالحي، يرعى ويخدم مصالح جميع الأطراف، ويتميز بالفاعلية، نظرا لعدم تحركه بدافع المصلحة الذاتية، ومن ثم ليس هناك مَجال لتضييع الوقت وتكبد المزيد من الخسائر بالنسبة لليمن.
في لحظات حساسة وفارقة مثل التي يعيشها اليمن، يتعين على البلاد ذات الضمير، أن تمد يد المساعدة والتضامن مع اليمن، وتجنب الدخول في جدال عقيم من شأنه أن يسبب نزاعات ما بين الأطراف، ومِثلما أوضحنَاه على الدوام، فإن روسيا وتركيا بلدان مهمان لا غنى عنهما، وباستطاعتهما بناء الاستقرار في المنطقة عندما يتحالفان. ولذلك، فمن المهم جدا، أن يستخدم البلدان دائما لغة توفيقية لبناء وتعزيز صداقتهما وعلاقاتهما.
http://www.raya.com/news/pages/0de836f7-c50a-4e0f-ad9d-be80c6fc1a88