اندلعت الاحتجاجات الأخيرة في إيران في الثامن والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017، وجاءت الاحتجاجات في البداية ردًا على الزيادة المفاجئة في أسعار المواد الغذائية والسياسات المالية العامة للبلاد. بدأ المتظاهرون للمرة الأولى في التجمع في ثاني أكبر مدينة، وهي مدينة مشهد، والمعروفة بهويتها الدينية والروحانية واستضافتها لضريح الإمام رضا شرين، ثم انتشرت بعد ذلك في العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد. وانتهت أعمال الشغب، التي تحولت بعد ذلك إلى أعمال عنفٍ من خلال إضرام النيران في البنوك والمباني الحكومية، في يوم الرابع من شهر يناير/ كانون الثاني، تاركةً وراءها عددًا من الضحايا.ومن المهم أن نلاحظ أننا سنقف دائمًا إلى جانب الحكومة المنتخبة لإيران ونعارض أية محاولات أو خطوات تهدف إلى إضعاف الحكومة أو التسبب في تفتيت إيران. وغني عن البيان أن جميع المواطنين الديمقراطيين في جميع البلدان يحق لهم أن يخرجوا في مظاهرات ديمقراطية -كما علق الرئيس روحاني- قائلًا إن المواطنين الإيرانيين يجب أن يكون لهم الحق في التعبير عن آرائهم وشواغلهم. من الصحيح أنه في البلدان الحرة، يتم تعريف الاحتجاجات الجماهيرية على أنها حق قانوني يكفله القانون. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من الحفاظ على بعض المبادئ الأساسية في مثل تلك الاحتجاجات؛ ينبغي ألا يكون هناك أي انتهاك لحقوق الآخرين وأمنهم، وينبغي الحفاظ على النظام والقانون. وعندما لا يتم الالتزام بهذه الأحكام، وتتحول الاحتجاجات إلى نوع من احتلال ذلك الجزء من المدينة، فمن المحتمل إذن أن تنشأ عناصر لا يمكن السيطرة عليها كجزء من الاحتجاجات. على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة بسبب هذه الاحتجاجات، أُطيح بأنظمة في تونس واليمن ومصر وليبيا وأوكرانيا، وبدأت الحرب الأهلية في سوريا، في حين تم تغيير الحكومات في الأردن وعمان والمغرب والكويت ولبنان. ومرة أخرى، عُرقل السلام والنظام الاجتماعيين بشدة في العراق والبحرين والسودان والجزائر. ويحاول بعض عملاء المخابرات الأجنبية والجماعات الهامشية، المحملين بأجندات مختلفة تمامًا عن مطالب المتظاهرين، استغلال ضعف المجتمع في تشكيك الجماهير والتسلل بينهم. وأحد الأساليب الرئيسية لهذه المؤسسة هو إثارة الشعوب ضد حكوماتها، والتي تؤول في نهاية المطاف إلى تفتيت البلدان عن طريق العنف الانفصالي أو محاولات الانقلاب. واستُخدمت هذه الأساليب وفشلت في المرة الأولى في عام 2009 في إيران، عندما قادت مزاعم المرشحين الإصلاحيين عن وجود عمليات احتيال في الانتخابات الرئاسية في العام نفسه إلى خروج حشود ضخمة في الشوارع تطالب بالتغيير. وتعتبر هذه «الحركة الخضراء» أكبر اضطرابات مدنية فى إيران منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. واتهم القائد الأعلى، آية الله خامنئي، الملياردير الأمريكي جورج سوروس الذي نفذ الفكرة باسم الثورات الملونة أو المخملية بمحاولة التدخل في أعمال الشغب التي وقعت عام 2009.ـ1 ومن الحقائق المعروفة أن سوروس يمول المنظمات الشبابية المختلفة التي ساهمت في الإطاحة بالإدارات في بولندا وصربيا وجورجيا وأوكرانيا.2 ومن الجدير بالذكر أيضًا أن معهد بروكينغز أعد تقريرًا عن إيران في يونيو/ حزيران 2009 بعنوان «ما هو الطريق إلى بلاد فارس؟ خيارات لاستراتيجية أمريكية جديدة تجاه إيران». وفي هذا التقرير، ذكر أن «… الطريقة الأكثر وضوحًا وسهولة لإسقاط النظام الإيراني ستكون المساعدة على تعزيز ثورة شعبية على غرار «الثورات المخملية» التي أطاحت بكثير من الحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية ابتداءً من عام 1989».3 نالت تركيا نصيبها من الثورات الملونة خلال أحداث احتجاجات منتزه غيزي في عام 2013، حيث طالب المتظاهرون في البداية بالحفاظ على حديقة غيزي كمنطقة ترفيهية؛ ثم انتشرت الاحتجاجات بسرعة إلى مدن أخرى في البلاد بطريقة منظمة بشكل غريب وتحولت إلى انتفاضة مسلحة ودامية تُطالب بسقوط الحكومة. بالإضافة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في الخامس عشر من شهر يوليو/ تموز عام 2016 وكانت مؤامرة أخرى ضد تركيا، والتي باءت بالفشل بعد أن تصدى لها المواطنون الأتراك الوطنيون الذين يحمون بلادهم، واتخذت إيران وروسيا دائمًا الجانب التركي منذ بداية هذه الكارثة. وقد تكون هذه النتائج المثيرة قد تحققت باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تحظى بشعبية في العقد الماضي. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتنظيم وتحريك وتحريض الجماهير التي يفترض أن تنضم إلى المظاهرات تمامًا كما حدث أثناء الحركة الخضراء في إيران في عام 2009، وحديقة غيزي في عام 2013 ومؤخرًا في احتجاجات إيران. وحقيقة أن أولئك الذين يغردون حول أحداث إيران الأكثر انتشارًا في موقع تويتر، هم من دول أجنبية، تثبت مجددًا أن هذه الأحداث تنظمها جماعات أجنبية.ومن الأهمية بمكان ألّا يظل العالم الإسلامي غير مستجيب للأحداث التي وقعت في إيران، وأن يتصرف منذ البداية قبل أن تتطور هذه المسيرات إلى أعمال عنف. ومن ناحية أخرى، ينبغي أن تستجيب إيران لمطالب المتظاهرين السلميين المتعلقة بالاقتصاد والعمالة لخلق مستوى حياة أفضل لمواطنيها. وكان البيان الأخير الذي أصدرته إيران بشأن تخفيف العقوبات لانتهاك قانون الزي الرسمي للمرأة في البلاد، موضع تقدير كبير. تشكل المرأة جزءًا مهمًا من المجتمع، وينبغي أن يكون لها المزيد من الحقوق للمشاركة في العديد من الواجبات بما في ذلك الحكومة. وعلاوة على ذلك، تمكين الشباب يُعد تقدمًا جيدًا -لأنهم يشكلون ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان- ليتمكنوا من التعبير عن مظالمهم الاقتصادية وتمكين المسؤولين من تلبية احتياجاتهم عن طريق الحوار.