طالما كانت تركيا ومصر شِقّي ثمرةٍ واحدةٍ لفترات طويلة جدًا؛ فالتحالف بينهما قائم على الأخوّة وليس على الحسابات السياسية، إذ يرتبط كل مصري تقريبًا برابط، أو علاقة، أو صلة بتركيا، وكذا يرتبط كل تركي بمصر. ولا تقتصر أهمية هذا التحالف القائم على الأخوة على البلدين فحسب، بل من أجل المنطقة كلها، إذ إن تركيا ومصر بلدان لا ينبغي أن يُعكَّر صفو صداقتهما على الإطلاق.
ففي أعقاب تصريح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بشأن تطوير العلاقات مع مصر في عام 2016، شهد العام الماضي خطوات بسيطة ولكنها إيجابية نحو تحقيق هذه الغاية، كما كان للتصريحات الإيجابية التي أطلقها وزير الخارجية المصري سامح شكري بشأن تركيا، والتي نُشرت في صحيفة أخبار اليوم المصرية، صدى كبير حول العالم. قال شكري تعبيرًا عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات بين البلدين «لا شك أن هناك الكثير الذي يربط الشعب المصري مع نظيره التركي، فهناك صلات قوية وتمازج ومصاهرة وتراث مشترك، ونأمل أن تعود العلاقة؛ فمصر دائما منفتحة».
مما لا شك فيه أن كلا البلدين استجابا استجابة إيجابية لهذه التصريحات؛ فقد كانت خطوة إيجابية جدًا نحو الخطوة التي طال انتظارها لمحو أي استياء بين البلدين الشقيقين.
قال محمد صابرين، مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية، في حديثه مع إحدى الصحف التركية إنهم يرغبون في وجود علاقات جيدة مع تركيا في الاقتصاد والمجالات الأخرى ضمن حدود الاحترام المتبادل، واستطرد قائلاً «ليست لدينا متطلبات من أجل هذا، إننا نطالب فقط بالعلاقات المتساوية بين البلدين كما ينبغي أن تكون.. فمصر لم تحرق كليًّا الجسور مع تركيا. يمكن الوصول إلى اتفاقية تضع في عين الاعتبار مصالح البلدين». من المؤكد أن الحرص على مصالح وازدهار وتنمية البلدين يشكل أمرًا مهمًّا لإعادة هيكلة علاقات جديدة في إطار الصداقة.
كانت تصريحات صابرين -التي قال فيها «في المفاوضات، يمكن أن تلعب الصحافة/ الإعلام دورًا إيجابيا في ترسيخ العلاقات المتبادلة وإرساء الأساس كي يجلس البلدان على نفس الطاولة. الشعب التركي هم إخوتنا. ونحن نرغب في علاقات جيدة» إيجابية وواعدة إلى حد كبير، فكلا الشعبين التركي والمصري يتوقان فعليا إلى اليوم الذي يقف فيه البلدان سويا كأصدقاء مرة أخرى.
وفي إشارة إلى وجود قوى محددة تسعى لنشوء النزاع بين البلاد المسلمة عبر جر المنطقة إلى شقاق سني شيعي شامل، واصل خبير الشؤون التركية والإيرانية بشير عبدالفتاح التأكيد على هذا عبر تصريحه الذي قال فيه «تدرك مصر المشكلات التي تواجهها مع تركيا، ولكنها تعرف أيضًا حقيقة مفادها أن هذا لن يجعل البلدين عدوين… لا ينبغي أن تكون تركيا وإيران عدوين لمصر، نحتاج إلى تطبيع العلاقات على الفور… فالوحدة بين تركيا ومصر سوف تحل المشاكل».
تحمل تعليقات عبدالفتاح أهمية خاصة، ينبغي أن تقف تركيا ومصر في صف واحد، وليس من أجل التعبير عن الأخوة فحسب، بل وأيضًا من أجل سلام المنطقة. توجد سياسة جادة ودؤوبة على إحداث الفُرقة والشقاق في المنطقة، ومثل هذه الإشارة الصحيحة التي أشار إليها عبدالفتاح، توجد جهود لإثارة وتشجيع الصراع السني الشيعي. فالغرض الوحيد من هذه الجهود إضعاف المجتمع الإسلامي، فلا ينبغي للبلدين القائمين في المنطقة منذ عهد طويل، وهما تركيا ومصر، أن يسمحا بنجاح هذا؛ فالمسؤولية لإتمام هذه المهمة تقع على عاتق هذين البلدين المهمين.
وفي الواقع، توضح الهجمات الغادرة التي تتعرض لها المساجد والكنائس في مصر أنه ليس المسلمون فقط هم من يحتاجون إلى الحماية، بل أيضًا أهل جميع الديانات والمعتقدات. لذا فإن ترسيخ تحالف في المنطقة يعد ضروريا لتوفير هذه الحماية. ينبغي أن يشمل هذا الاتحاد جميع بلاد المنطقة، كما ينبغي أن يقف حائلاً أمام الهجمات التي تستهدف العالم الإسلامي. لا شك أن الجميع يعرف مدى القوة التي سيكون عليها مثل هذا التحالف في حكم المنطقة، لا يجب إهدار هذه الفرصة بسبب الاستياءات غير الضرورية، ويجب أن تتخذ تركيا ومصر إجراء فوريًا في هذا المنحى، وينبغي على تركيا على وجه الخصوص أن تبرهن على أنها تحتضن الشعب المصري كله، فينبغي أن تطمئن مخاوف المصريين في هذا الشأن.
لقد تسببت تطورات الأحداث المتعلقة بالقدس والتوترات التي جلبها الصراع السوري في توصل البلدين إلى فهم أفضل للحاجة إلى مثل هذا التحالف، وتعد مشاركة وزير الخارجية المصري سامح شكري في القمة الطارئة الأخيرة لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس خطوة إيجابية مهمة.
صرح اللواء أركان حرب محمد جمال مظلوم، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة الأسبق، بأن «مصالح سوريا أهم من خصامنا مع تركيا، لن تتردد مصر في الجلوس على طاولة مفاوضات تكون تركيا أحد أطرافها» وهذه هي الطريقة التي ينبغي أن تكون عليها، لا يبدو من الممكن لبلاد المنطقة أن تتعافى من المشكلات التي تواجهها بوسائلها الخاصة، فقد علقت لسوء الحظ السياسة الأمريكية الجديدة أي تسوية سياسية ممكنة بين إسرائيل وفلسطين. تجتمع كل هذه الحقائق لتعطي إشارات واضحة توحي بأن حلول هذه المسألة لا يمكن تحقيقها إلا بوجود تحالف بين الدول الرائدة في المنطقة. وسوف يؤدي أي تردد آخر في هذا الشأن إلى أن يخسر مزيد من الأشخاص حياتهم في المنطقة، ما يعطي المنظمات الإرهابية مزيدًا من الفرص والمساحة لممارسة أعمالها الوحشية، وهو ما سوف يحوّل الشرق الأوسط إلى كابوس أفظع من الآن، وبدلاً من أن نكون مسؤولين عن هذا، يجب أن نعيد إشعال مصباح الصداقة لتجاوز نيران العنف والوحشية في المنطقة.