عمليات عدائية تحت رايات زائفة
ucgen

عمليات عدائية تحت رايات زائفة

876

السلام يستلزم أولا توافر قوة الإرادة والصبر والجهد، ورغم أن العيش سويًا في جو من الراحة والانسجام أمر جميل لا يتطلب بذل أي جهد، مع ذلك اختارت العديد من الأجيال، على مر التاريخ، النهج المناقض، لخوض الحروب وعمليات القتل واقتراف المذابح، مستسهلين ما ترتب عن هذا الخيار من دمار، على نحو فظيع، يكاد لا يتصوره المرء. فبدلًا من إظهار التصميم على الحفاظ على السلام والمحبة والصداقة، آثر هؤلاء تضخيم أتفه الخلافات والتعظيم من شأنها لتحويلها إلى حروب تسببت في سفك دماء مئات الآلاف من الأشخاص، وأرسوا الأسس الداعمة لاستدامة الصراعات من خلال حبك الحيل والخداع حتى في الحالات التي غاب فيها أي نوع من الخلاف بين الأطراف.

بصرف النظر عن قدراتها التقليدية، تعمد جميع القوات العسكرية ووكالات الاستخبارات والجماعات الإرهابية إلى استخدام تقنيات الخداع كاستراتيجية في شن حروبها، والهدف المتوخى من وراء هذه الاستراتيجية هو حجب عن الخصوم المعلومات مثل تعداد القوى المتوافرة، والأهداف المخطط لها، والاستراتيجيات، وإخفاء الحقيقة عن الجمهور. وثمة هدف آخر ترومه هذه الاستراتيجية، يتمثل في كسب موافقة أنصار المتحاربين، أو المواطنين عمومًا، أو حتى الرأي العام العالمي. ويستغل هذا الهدف أحيانًا لإثارة المجتمعات أو الحكومات والتلاعب بها والدفع بها نحو مصير قاتم محتوم.

لقد أطلق على هذه الأنواع من العمليات اسم "راية زائفة، حرب العصابات، حروب قذرة أو الدعاية السوداء"، أما السبب وراء تسمية هذه العمليات بـ "الرايات الزائفة" هو أنه كان ربان السفن في عهد سابق، يرفعون أحيانًا أثناء الحروب البحرية، رايات خصومهم ليتمكنوا من الاقتراب من سفن أعدائهم دون أن يلاحظوا، ولدى ورؤية علم السفينة يقترب، يعتقد طاقم السفينة الأخرى أنها سفينة صديقة، وعندما تقترب إلى بعد يمكنها من إطلاق النار، يكون قد فات الأوان. واليوم، أصبح هذا الأسلوب من الخداع، المصطلح الشائع المستعمل لنعت العمليات المشبوهة وغير المشروعة. يسجل التاريخ أن أشهر كيان على المستوى العالمي، لجأ إلى مثل هذه العمليات هو الدولة البريطانية العميقة، ويمكننا تلخيص عدد من العمليات تحت رايات زائفة نفذتها بريطانيا في التاريخ الحديث، نذكر منها ثلاث:

الانقلاب الإيراني عام 1953: في الخمسينات من القرن الماضي، كان أكبر جزء من عائدات إيران النفطية تذهب إلى خزينة بريطانيا، دون أن يستفيد الشعب الإيراني من موارده المشروعة. وخشية منها من خطط إيران لتأميم صناعتها النفطية، أثارت بريطانيا فكرة الانقلاب في عام 1952 وضغطت على الولايات المتحدة لإشراكها في عملية الإطاحة برئيس الوزراء. وتنفيذًا لهذه العملية، اختار جهاز MI6 البريطاني الجنرال فضل الله زاهدي ليخلف رئيس الوزراء الشرعي محمد مصدق، وقد أمد جهاز المخابرات البريطاني نظام الجنرال زاهدي بمبلغ 5 ملايين دولار سرًا، بعد يومين من عملية الانقلاب. وفي الوقت نفسه، قام بعض المتعاونين الإيرانيين الذين يعملون لحساب MI6 بتنفيذ عدد من التفجيرات، كان الهدف منها تأليب المجتمع الإيراني ضد رئيس الوزراء المطاح به، محمد مصدق.

الانقلاب السوري عام 1957 (2): في آب / أغسطس 1957، قامت الدولة البريطانية العميقة بتوجيه نشاط منظمات إرهابية وإعداد مجموعة من العمليات تحت رايات زائفة للإطاحة بالحكومة السورية، وتم وفقًا للخطة المعدة، تنظيم سلسلة من الاضطرابات الوهمية على الحدود السورية، الغاية منها استخدامها كمبرر لغزو الأجزاء الغربية من البلاد، واغتيال كبار المسؤولين الحكوميين.

ثم ألقيت المسؤولية على الحكومة السورية وتم اتهامها بارتكاب أعمال تخريبية وعنف ضد الدول المجاورة، لتقوم الدولة البريطانية العميقة بعد ذلك بالبرهنة على مواهبها في الحروب  النفسية والميدانية لتصعيد حالة التوتر السائدة. بعبارة أخرى، تقوم الدولة البريطانية العميقة بتأجيج بؤر التوتر، لتعبيد الطريق نحو إشعال فتيل التمرد المدني، مع محاولة تحرير المجرمين السياسيين المسجونين، وتحريض مجموعات مختلفة داخل سوريا ضد الحكومة.

تفجيرات لندن عام 2005 (3): في 7 يوليو / تموز 2005، نُفذت تفجيرات في محطة للحافلات وخط مترو الأنفاق في لندن. وفي أعقاب الهجوم الذي أطلق عليه اسم "بريطانيا 11 سبتمبر"، أدخلت الحكومة البريطانية تعديلات مختلفة على قوانين مكافحة الإرهاب، وفرضت قيودًا على حقوق الإنسان، وتفاقمت حملة الاضطهاد التي استهدفت على وجه الخصوص المواطنين المسلمين. وفي السنوات التالية للعملية، برزت عدة أدلة تثبت أن الانتحاريين المسلمين المفترضين الأربعة الذين اتهمتهم الحكومة، لا علاقة لهم بالحادث، وأن العملية تم تنفيذها تحت رقابة الدولة العميقة.

هناك العديد من العمليات التي نفذت تحت رايات زائفة من قبل مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم، تبينت حقيقتها الآن. لقد أصبح من اليسير فهم دوافع هذه القوى العميقة في العالم، وأنها تقوم "بتنظيم وتنسيق الأعمال الشريرة" من أجل تحقيق أغراضها. ولتحقيق أهدافها، تقوم هذه القوى بعمليات يُقتل فيها مدنيون أبرياء، وتحاول استمالة الشعوب والحصول على موافقتها عن طريق التوجيه الإعلامي المضلل عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية، التي تروج لروايات تتهم فيها الآخرين بالوقوف وراء مثل هذه العمليات.

وأحيانًا يكون القصد هو الاغتيال المادي أو المعنوي لحكومة من الحكومات أو مسؤول حكومي يتعارض بقاؤه مع مصالح الدولة العميقة، ويكون القصد في أحيان أخرى هو التحريض على الكراهية ضد جماعة عرقية أو دينية. وعادة ما يستخدمون لهذا الغرض، الإرهابيين الذين يحملون هوية مسلمة وهمية، في محاولة لتصوير المسلمين على أنهم إرهابيون، بهدف التحريض على الكراهية ضد المسلمين في البلد الذي ينفذ فيه الهجوم، ومن ثم إجبار الحكومات في تلك البلدان على فرض تدابير ظالمة تقيد حقوق المسلمين وتضغط عليهم.

ولذلك، من الأهمية بمكان، توخي كل من المواطنين والحكومات أقصى درجة من الحذر والتدقيق بحيث لا تحقق هذه العمليات التي تنفذ تحت رايات زائفة، أهدافها. ومن الأهمية بمكان أيضًا رصد جميع الحوادث، في أدق تفاصيلها، للتدقيق في أي تفاصيل مهما بدت هامشية قد لا يلاحظها أحد، وعدم قبول الروايات الجاهزة أمرًا واقعًا، والقيام بدل ذلك، بالنظر وتقييم كل حادث على حدة، لتقييمه في ضوء كل الأدلة المكشوفة. وبهذه الطريقة، سيكون من الممكن القضاء على أي ظلم محتمل تجاه جماعة إثنية أو جماعة دينية أو بلد ما، والأهم من ذلك كله، يكون من الممكن منع الهياكل التنظيمية العميقة التي نظمت ونسقت هذا العمل المؤذي، من تحقيق هدفها.

         

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo
التحميلات