‭ ‬إننا‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬السورية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الأجندة‭ ‬الدولية،‭ ‬والتي‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬بفاعلية‭. ‬يتلخص‭ ‬هدفنا‭ ‬النهائي‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬والذي‭ ‬عانى‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السوريين،‭ ‬وفقدوا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كانوا‭ ‬يملكونه‭.‬

بذلت‭ ‬تركيا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬جهودًا‭ ‬حثيثة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬بدأت‭ ‬الدول‭ ‬الثلاثة‭ ‬عملية‭ ‬أستانة‭ ‬للسلام،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬المبادرة‭ ‬الأهم‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.[‬1‭]‬

لطالما‭ ‬وضع‭ ‬قادة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬استقلالية‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الأولويات،‭ ‬ولطالما‭ ‬استطاعوا‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬حيل‭ ‬الدول‭ ‬الاخرى،‭ ‬التي‭ ‬انزعجت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬تلك‭.‬

وقد‭ ‬أفاد‭ ‬المركز‭ ‬الروسي‭ ‬للتوفيق‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتحاربة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬تسجيل‭ ‬خرق‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬إدلب،‭ ‬وفي‭ ‬ضواحي‭ ‬دمشق،‭ ‬وأكد‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬وقف‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‭ ‬هو‭ ‬الفرصة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتوصل‭ ‬لحل‭ ‬لما‭ ‬تعانيه‭ ‬البلاد‭.[‬2‭]‬

يرى‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي،‭ ‬أردوغان،‭ ‬أن‭ ‬الممر‭ ‬الإرهابي‭ ‬لحزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بحزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬يشكل‭ ‬التهديد‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬حدودنا،‭ ‬فمجرد‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬شيوعية‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬تركيا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ -‬بما‭ ‬فيها‭ ‬سوريا‭ ‬نفسها‭- ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬درع‭ ‬الفرات‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬استطاعت‭ ‬تركيا‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬ربط‭ ‬مدينتي‭ ‬كوباني‭ ‬وعفرين‭ ‬الواقعتين‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭ ‬التركية‭ ‬معًا‭. ‬وبعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مناطق‭ ‬خوض‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري،‭ ‬نقلت‭ ‬تركيا‭ ‬قواتها‭ ‬إلى‭ ‬إدلب،‭ ‬ما‭ ‬منع‭ ‬عناصر‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬التحرك‭ ‬جنوبًا‭ ‬نحو‭ ‬سوريا‭. ‬وفي‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬يناير‭/ ‬كانون‭ ‬الثاني‭ ‬لعام‭ ‬2018،‭ ‬ردت‭ ‬تركيا‭ ‬بالمثل‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وأعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬قائلًا‭ ‬‮«‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬سوف‭ ‬نستكمل‭ ‬تطهير‭ ‬حدودنا‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬عفرين‭. ‬سوف‭ ‬نستأصل‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬الانفصالية‭ ‬التي‭ ‬أزهقت‭ ‬حياة‭ ‬50‭ ‬ألفًا‭ ‬من‭ ‬مواطنينا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الـ‭ ‬34‭ ‬سنةً‭ ‬الماضية‮»‬‭.[‬3‭]‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المأساة،‭ ‬استمرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تسليح‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وتخطط‭ ‬الآن‭ ‬لإعلان‭ ‬اتحاد‭ ‬فيدرالي‭ ‬داخل‭ ‬سوريا‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التركية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعهد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬بعدم‭ ‬إمداد‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة،‭ ‬فإن‭ ‬البنتاجون‭ ‬تصرف‭ ‬بما‭ ‬يخالف‭ ‬ذلك‭ ‬تمامًا،‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬ضخ‭ ‬الأسلحة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬وفدًا‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬التنفيذيين‭ ‬التابعين‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬برئاسة‭ ‬ماكس‭ ‬مارتن،‭ ‬زاروا‭ ‬شمال‭ ‬سوريا،‭ ‬وقابلوا‭ ‬كبار‭ ‬مسؤولي‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭/ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي‭. ‬وقد‭ ‬صرح‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬أنهم‭ ‬يسعون‭ ‬لإقامة‭ ‬نظام‭ ‬فيدرالي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬خفيًا‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬كانت‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬هي‭ ‬الإبقاء‭ ‬عليه‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬عبر‭ ‬تقسيمه‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬صغيرة،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حاليًا،‭ ‬تناقش‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬ترسيم‭ ‬حدود‭ ‬المنطقة،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬حاليًا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تفتيت‭ ‬لسوريا،‭ ‬وإعادة‭ ‬رسم‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭. ‬وفقًا‭ ‬لهذه‭ ‬الخطة،‭ ‬وبعد‭ ‬تقسيم‭ ‬سوريا،‭ ‬سيحدث‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران،‭ ‬وستُخلق‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭. ‬وتتمحور‭ ‬السياسة‭ ‬التركية‭ ‬الأساسية‭ ‬حول‭ ‬منع‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭ ‬عبر‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬والأراضي‭ ‬السورية‭. ‬وللوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الغاية،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للحكومة‭ ‬التركية‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬رسميًا‭ ‬بالحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الحالية،‭ ‬والقيادة‭ ‬السورية‭ ‬كهيئات‭ ‬شرعية،‭ ‬لأنه‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬حكومة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬سيوفر‭ ‬ذلك‭ ‬غطاءً‭ ‬شرعيًا‭ ‬لحزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭/ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الديمقراطي‭.‬

وذلك‭ ‬ما‭ ‬تحاول‭ ‬تلك‭ ‬الدوائر‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭ ‬فيه‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربها،‭ ‬وهي‭ ‬ترك‭ ‬سوريا‭ ‬دون‭ ‬حكومة،‭ ‬وتأليب‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬ضد‭ ‬تركيا‭ ‬والدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬شيوعية‭ ‬إرهابية‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬سيطرتهم‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الحالية‭ ‬غير‭ ‬معترف‭ ‬بها،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬سوف‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬اقتطاع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬لصالح‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية‭. ‬وعلى‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬إذا‭ ‬تواصلت‭ ‬تركيا‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية،‭ ‬واعترفت‭ ‬بها‭ ‬كسلطة‭ ‬شرعية،‭ ‬وإذا‭ ‬عقدت‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬اجتماعًا‭ ‬وأعلنت‭ ‬أنها‭ ‬تنتظر‭ ‬دعمًا‭ ‬من‭ ‬تحالف‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬سوف‭ ‬تفشل‭ ‬تمامًا،‭ ‬لأن‭ ‬روسيا‭ ‬تُعد‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬فريد‭ ‬يخولها‭ ‬لتهيئة‭ ‬الساحة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭.‬

يجب‭ ‬على‭ ‬قادة‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬وروسيا‭ ‬وسوريا‭ ‬أن‭ ‬يجتمعوا‭ ‬معًا‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬بشأن‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬مشتركة،‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المنظمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني،‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬للمنطقة‭ ‬بأسرها‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يمكن‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وبرلمانية‭ ‬بعد‭ ‬تطهير‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬فعندما‭ ‬تستقر‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬يمكن‭ ‬حينها‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬حرة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬المنتخبة‭ ‬حديثًا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬عبر‭ ‬الأطر‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والتفاهمات‭ ‬المشتركة،‭ ‬فمن‭ ‬شأن‭ ‬تحالف‭ ‬الدول‭ ‬الثلاثة‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الشعب‭ ‬السوري،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬مصيره‭ ‬المستقبلي‭.‬

http://www.alghad.com/articles/2111632

https://www.azzaman.com/?p=228113