صوّت الشعب الأمريكي لانتخاب رئيسهم الجديد وأعضاء الكونجرس في الثامن من نوفمبر- تشرين الثاني. وقد تابع العالم بأكمله، وليس الشعب الأمريكي وحسب، الحملة الانتخابية لكلا الحزبين باهتمام بالغ، إذ انتاب الجميع الفضول لمعرفة كيف ستتأثر بلادهم بالحكومة الجديدة. وكانوا يتساءلون إن كانت الولايات المتحدة ستستمر في التدخل في صراعات البلاد الأجنبية، أم أنها سوف تركز على احتياجات واهتمامات شعبها.
سارت نتيجة الانتخابات بطريقة غير متوقعة، ليصير ترامب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة. فخلال حملته الانتخابية، كانت بعض التصريحات التي أدلى بها، عن المهاجرين والنساء والإسلام، غير مقبولة على الإطلاق. إلا أننا نأمل أن يتغير بعد أن يدخل إلى مكتبه لمباشرة مهامه الرئاسية فعليًا، فقد بث رسائل تدعو إلى وحدة المواطنين وتعهد بأن يحظى بعلاقات جيدة مع تلك الدول التي ستتفق معهم، وذلك خلال خطاب القبول الذي تلا إعلان فوزه.
كما صحح ترامب بعضًا من تعليقاته عندما قال إنه لن يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بدخول البلاد، بينما ينتظر عدد من المهاجرين الشرعيين قبولهم لدخول الولايات المتحدة. جدير بالذكر هنا أن السبب الرئيسي وراء قضية المهاجرين يكمن في السياسات الخارجية الخاطئة التي تنتهجها الولايات المتحدة، والتي حولت الشرق الأوسط إلى منطقة حرب.
وليس من الصعب علينا أن نتوقع ما كان سيبدو عليه الموقف في الشرق الأوسط إن فازت كلينتون بمنصب الرئيس. إذ أنها تبنت سياسة متشددة تجاه الشرق الأوسط عندما شغلت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، كما أن موقفها الحالي كان مشابهًا لموقفها السابق، والذي انعكس في تصريحاتها التي أطلقتها خلال حملتها الرئاسية، وهو بلا شك يعني أنه سيكون ثمة مزيد من الحروب في المنطقة.
فعلى الرغم من أن أوباما وصل إلى منصبه حاملًا وعود التغيير في أمريكا، لم يلتزم بكلماته؛ إذ تعهد أوباما خلال حملته الرئاسية بأن يُبقي أمريكا بعيدًا عن الصراعات والأزمات الخارجية، وأن يتبنى سياسة سلمية، حتى أنه فاز بجائزة نوبل للسلام خلال شغله منصب رئيس الولايات المتحدة. غير أن ما نشهده الآن يقول إن الولايات المتحدة تشارك بالفعل في عديد من العمليات العسكرية في الشرق الأوسط. وبالمثل، كانت وزيرة خارجيته ستتبع نفس المسار، لأنها تتبنى سياسة خارجية مماثلة، فضلًا عن أنها تقع تحت تأثير بعض اللوبيات الأمريكية مثلما كان الحال مع أوباما.
بناءً على ذلك، تعد نتيجة الانتخابات الحالية مؤشرًا على شعور الشعب الأمريكي بالإحباط جراء الوضع الراهن الذي يواجهونه منذ ثمانية أعوام. فقد انتخبوا باراك أوباما لأنهم ظنّوا أنه سيأتي بالتغيير، لكن ذلك لم يحدث. وليس من العدل أن نُلقي باللوم كله على كاهل الرئيس وحسب، لأن رئيس الولايات المتحدة ليس السلطة الوحيدة التي تتخذ القرارات في البلاد، إذ لا بد له أن يحظى بموافقة الكونغرس الأمريكي الذي يتكوّن من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. كما أن مجلس الشيوخ ومجلس النواب يمتلكان حق الاعتراض على قرارات الرئيس باستثناء الأوامر التنفيذية. من هذا المنظور، تُعدّ الحكومة الأمريكية الجديدة محظوظة لأن الرئيس وأعضاء الكونغرس من نفس الحزب، وهو ما لم يشهده الأمريكيون منذ عشرينيات القرن الماضي.
وإن عهدنا إلى تحليل الانتخابات من وجهة نظر شرق أوسطية، سنرى أن بعض البلاد تشعر بالارتياح من تلك النتيجة بينما ينتاب القلق بلادًا أخرى. وإنه أمر جيد أن نرى أمريكا تمد يد السلام إلى روسيا؛ لأن تحالفًا كهذا قد يعني التوصل إلى حل لوقف إراقة الدماء في سوريا والعراق.
كما يبعث موقف ترامب تجاه تركيا على السرور، إذ أن الجنرال مايكل فلين، المرشح لشغل منصب وزير الدفاع الأمريكي، كتب مقالًا في صحيفة "ذا هيل" الأمريكية ذكر فيه أهمية تركيا باعتبارها حليفًا للولايات المتحدة، وأن تركيا في حاجة إلى الدعم الأمريكي. فيما تحمل تلك التصريحات بعض الأمل لبلادنا، في ظل توتر العلاقات مع الولايات المتحدة مؤخرًا جرّاء العمليات الأمريكية في سوريا، وتزويدهم لوحدات حماية الشعب الكردية بالسلاح، إذ تعتبر تلك الجماعة حليفًا لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
وعندما نضع إيران في الحسبان، سنجد أنها من الدول التي شعرت بالإحباط من فوز ترامب بالانتخابات. والسبب في ذلك يكمن في انتقاد ترامب الذي طال الاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه بعد توقف المفاوضات تارةً واستمرارها تارة أخرى بين إيران والدول المعنية بالاتفاق. اعتبر الإيرانيون أن هذا الاتفاق انتصارًا ديمقراطيًا لهم، إذ أنه يعني رفع العقوبات، كما يُشكّل فرصة للعودة إلى الساحة الدولية مرة أخرى بعد انتظار دام طويلًا.
لا ينبغي أن يشعر إخوتنا الإيرانيون بالانزعاج من نتيجة الانتخابات، لأن بادئ ذي بدء يُعدّ ذلك الاتفاق النووي عقدًا دوليًا وقعت عليه مجموعة 5+1، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تلغيه وحدها. أضف إلى ذلك أن اللهجة التي يتحدث بها ترامب تغيرت بعد انتخابه، فقد قال إنه سيراجع الاتفاق النووي بدلًا من إلغائه. الجميع يعرفون جيدًا أن التصريحات التي تُطلَق خلال الحملات الانتخابية لا تتطابق بالضرورة مع ما سيفعله بالفعل المرشحون عندما ينتخبون رسميًا لمناصبهم.
وفي ظل رغبة ترامب لتبني سياسة خارجية سلمية وهادئة في الشرق الأوسط، سيسعى بالتأكيد للإبقاء على العلاقات الجيدة التي بُنيت مؤخرًا بينهم وبين الشعب الإيراني. كما أن الشراكة مع روسيا وتركيا سيكون لها تأثير على أمريكا عن طريق استمرارها للسعي وراء التوصل إلى تقدم في العلاقات بينها وبين الإيرانيين. وسوف يأسِر مثل ذلك الموقف قلوب الإيرانيين بكل تأكيد، كما أنه سيكون اتفاقًا عادلا ليمنع ردود الفعل المناهضة لأمريكا والتي ربما تزداد في إيران حال انهيار الاتفاق، وهو ما لن يستفيد منه أي شخص سواء في الولايات المتحدة أو في منطقتنا. بوصفنا مسلمين من الشرق الأوسط، فقد عانينا من استمرار إراقة الدماء بما يكفي، ونتوقع من الرئيس ترامب أن يكون لديه سياسة في الشرق الأوسط أفضل من الإدارة السابقة، وأن يتوصل إلى حلول دبلوماسية من أجل الأزمة في العراق وسوريا.
http://www.raya.com/news/pages/23d63535-447e-4f8e-973d-99dfae3d847d