هارون يحيى
احتل مثال يُظهر مأساة السوريين الصدارة في وسائل الإعلام مؤخرًا، إذ يَظهر طفلان في صورةٍ بعنوان "اختيارات أطفال سوريا": عمران وإيلان الذين أضحوا معروفين عالميًا.
يُمثِّلُ عمران السوريين الذين لم يبرحوا وطنهم رغم الحرب، تم انتشال عمران، الطفل اللطيف البالغ من العمر 5 سنوات، من بين الأنقاض بعد قصفٍ جويٍ، هذا ثمن عدم الخروج، وأصبحت الحياة في البلد التي ولد بها مليئة بالعنف، والموت، والقصف، والموت جوعًا، والمعاناة.
الطفل الآخر كان إيلان، الذي فقد حياته عندما غرق القارب الذي ركبه الطفل مع عائلته، يُمثل هذا الطفل هؤلاء السوريين الذين غادروا وطنهم ودفعوا أغلى ثمنٍ لقاء محاولتهم الوصول لبلادٍ يمكنهم فيها العيش بسلام وأمان.
هذا المثال يُلخص بكل دقةٍ المعضلة القاسية التي يواجهها الشعب السوري، من المؤكد أنَّ خيار مغادرة الناس لوطنهم المدمر في وقت الحرب والبحث عن مأوى في بلادٍ أخرى هو الخيار الصحيح، لكن ما لا يُمكن استيعابه هو انعدام إحساس بعض الدول أمام مأساتهم وترك الأبرياء للموت.
ترعى تركيا ما يقرب من 4 ملايين سوري وتُعاملهم كما لو كانوا أولادها، لكنَّ تركيا دولةٌ ناميةٌ ذات موارد محدودة، ورغم مواردها المحدودة، أنفقت تركيا على اللاجئين حتى الآن 10 مليارات دولار أمريكي تقريبًا، لكن بكل تأكيد ليس في إمكان دولة محدودة الوسائل أنْ تحل جميع المشكلات وأنْ تقيم المشروعات التي تساعد على رفع مستوى معيشتهم بصفة مستمرة.
أعلن الرئيس التركي أردوغان عن خطة جديدة من شأنها تحسين ظروف اللاجئين في مطلع شهر يوليو، وطبقًا لتلك الخطة، كل من يرغب من إخواننا وأخواتنا في الحصول على الجنسية التركية سيُمنح إياها.
إنَّه قرار جيد ومفيد، وقد أكَّدت على أهمية هذا الأمر فور بدء إخواننا وأخواتنا السوريين في الوصول إلى بلدنا في السنوات الأولى لنزوحهم.
مَنْحُ إخواننا وأخواتنا السوريين الجنسيةَ التركيةَ سيسرِّعُ بلا شكٍ عمليةَ امتزاجهم بالمجتمع التركي، بجانب أنَّ هذا سيسهِّل حصولهم على حاجاتهم الأساسية لمواجهة الصعوبات التي يعيشونها في حياتهم العملية، وستُمكنهم من الحصول على الخدمات الطبية الشاملة، وفرص التعليم العصري، وستساعد تلك المحاولة في القضاء على مخاوفهم المتعلقة بالمستقبل، وعدم اليقين بخصوص حياتهم.
يُنتظر من الجميع في العادة أنْ يدعموا مشروع المحبة هذا، لكن وكما في كل المجتمعات، هناك أناس لا يعرفون الحب، ورغم أن عددهم قليل، إلا أنهم متواجدون في المجتمع التركي أيضًا، ويمكن تمييز هؤلاء الناس عمومًا بصفات مثل وضع أولوية لراحتهم الشخصية، وكراهية كل شيء في العالم تقريبًا. ولهذا، من المستبعد أن يدعم هؤلاء الناس معروفًا أو تضحية.
السبب وراء اعتراض بعض الناس - بدافع من الكراهية - على وجود السوريين في بلدنا، هو أنهم يعتبرون السوريين مجرمين مُحتملين، لكن الإحصائيات كشفت أنَّه بعكس ما هو شائع، فإن معدَّل تورط السوريين في المخالفات والجرائم متدن جدًا، ولهذا فإن أية محاولة لخلق انطباع غير صحيح سيكون سلوكًا تمييزيًا، وعنصريًا.
ففكرة أن اللاجئين قد يتسببون في صراع مجتمعي ليست لها أساس من الصحة، ففي المقام الأول لا يُعد السوريون "أجانبَ"، بل إنهم أناسٌ يؤمنون بنفس الرب، والعقيدة، والكتاب، والرسل الذين نؤمن بهم، ويشاركوننا نفس المراحل التاريخية، والخلفية الثقافية، ولهم قيم مشتركة معنا، إذ توجد بيننا علاقة تمتد لألف عام، وأرضية مشتركة، ولهذا كان إخواننا وأخواتنا السوريون من ضمن من تدفقوا إلى الشوارع ووقفوا ضد الانقلاب في 15 يوليو، ودافعوا عن الديمقراطية من بين ملايين الناس في تجمع يوم 7 أغسطس، وباعتبار أنَّه لا توجد أية خلافات بيننا وبينهم، لا توجد أية أرضية للقلق من منحهم الجنسية.
قد يكون هناك آراءٌ متباينة بكل تأكيد، لكن النبرة عديمة الرحمة تجاه اللاجئين السوريين خاطئة بكل تأكيد، ولن تُفيد مجتمعنا، وواجبنا هو إظهار حب جم لهؤلاء الناس الطيبين المحترمين العطوفين الأبرياء، وجعلهم يشعرون بالترحاب الشديد، فما يفيد تركيا هو التصرف بناءً على الحب والتضحية والقيم الحميدة، بدلًا من اتباع المصالح الشخصية الضيقة بشكل مجرد، وإبداء بادرة خير بتسجيل الناس المقموعين كمواطنين أتراك.
ومن الضروري أنْ يُفكر الناس أصحاب الضمير الحي بشكل مناسب، ويدعموا تلك المبادرة، ومن الضروري أن يضعوا في اعتبارهم أنَّ إخواننا وأخواتنا من السوريين يُعانون من القلق بالفعل، وجزءًا من مسؤوليتنا أن نُخفف عنهم مخاوفهم وقلقهم، الشفقة تجلب الشفقة، وغياب الحب والمشاعر القاسية يفتحون باب النكبات.