الإسلام مثل الشمس التي تشرق في أحلك ساعات الظلام لتبدده وتبدله بشعاع نور جميل لا نهاية له، فقبل أن يتوغل التطرف والتعصب في العالم الإسلامي ويتسبب في تأخره، بزغت شمس الإسلام عالية جلية لقرون عديدة. وبينما كان الإسلام ينتشر في مناطق جديدة، تحولت المجتمعات والثقافات المختلفة التي اعتنقته حديثًا إلى كيانات جديدة تضفي جمالًا مختلفًا على عالمنا، وهو ما ساهم في بناء الثقافة الإسلامية الجامعة.
ازدهر العالم الإسلامي من إسبانيا إلى الصين، وأصبح مركزًا للعلوم والثقافة والفن والحضارة. ففي عام 1000 ميلادية، كانت مدينة قرطبة إحدى مدن الأندلس التي تُعرف حالياً بإسبانيا، أكبر مدن العالم. وفي ذلك الوقت، كانت العواصم الإسلامية تشكل ستاً من أصل أكبر عشر مدن في العالم. وكانت المدن الإسلامية تحتل موقع الصدارة باعتبارها مركزًا للثقافة والمعرفة، إذ كانت قبلة يتدفق إليها العلماء من شتى أنحاء العالم. كما كانت تلك المدينة أيضًا مثالاً نموذجياً للتحضر والمدنية. فقد كانت مُضاءة بالكامل، وهو أمر لم تسمع به أوروبا من قبل على الإطلاق. ففي الوقت الذي كانت تتخبط فيه أوروبا في ظلمات العصور الوسطى - حرفياً ومجازياً - كان أي شخص باستطاعته أن يسير في مدينة قرطبة في إضاءة تامة لمسافة 10 أميال في أي اتجاه وفي أي مكان. كما كانت هناك قناة مائية تصل بالمياه إلى جميع أرجاء المدينة، وهو أمر مستحدث ورفاهية لم ترها أوروبا من قبل. كانت مدينة قرطبة تحتوي على 200 ألف منزل، و600 مسجد، و900 حمام عام، و50 مستشفى، والعديد من المكتبات والأسواق الكبرى وحتى بعض الاتحادات التجارية. وكان الخليفة وحده يمتلك مكتبة خاصة تحوي 400 ألف كتاب.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن مدينة قرطبة المدينة الوحيدة التي تعكس نور هذه الحضارة. فقد نبغ علماء المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي من أقصى شرقه إلى أقصى غربه، ودرسوا وابتكروا وشيدوا. إذ أن العديد من الابتكارات والتطورات المستخدمة في عصرنا الحديث، هي نتاج لما ابتكره هؤلاء العلماء الأفذاذ. فقد كان العلماء المسلمون يؤسسون في بعض الأحيان مجالات علمية جديدة، وفي أحيانٍ أخرى، كانوا يساهمون في تطوير وتجديد مجالات علمية قائمة. وقد تميزت الغالبية العظمى من علماء المسلمين بمعرفتهم الواسعة، وتفوقوا في بعض المجالات على وجه التحديد، من بينها على سبيل المثال الجبر والطب والكيمياء وعلم الأحياء وعلم النباتات وعلوم البيئة والجغرافيا والمعادن والبصريات وطب العظام، والصيدلة والطب النفسي وعلم النفس والصحة العامة وعلم الاجتماع وعلم السموم وحساب المثلثات والطب البيطري. بالإضافة إلى أنهم ابتكروا وساهموا في تطوير ووضع أسس العديد من المنتجات التي نستخدمها في واقعنا المعاصر، مثل القطن والساعات والكاميرات والمرايا الزجاجية ومصابيح الشوارع والملح والفلفل والحرير والأعشاب الطبية ومحارم اليدين والعطور والملابس القطنية والكتان والطوابع البريدية والصابون والفرجار والقوارير الزجاجية والأدوات الجراحية وطواحين الهواء والأسنان الاصطناعية وعجلات الغزل وأسواق الفاكهة والسجاد والنظارات الطبية. وكما يقول جميل رجب، أستاذ تاريخ العلوم بجامعة أوكلاهوما: «لا شيء في أوروبا كان يمكن أن يضاهي التطور الذي كان يشهده العالم الإسلامي حتى القرن السادس عشر».
وفي خضم ذلك، يجب أن نلاحظ أنه خلال تلك القرون، كان المسلمون ناجحين، ويتميزون بحضارة متفوقة في الفن والثقافة والعلوم والأدب، لأنهم اتبعوا هدي القرآن الذي أمر المسلمين بالتفكر والتدبر في خلق الله، وأمرهم بالسعي الحثيث والمثابرة على أداء أي شيء يقومون بفعله بإحسان وجمال وإجادة ودقة. فقد حث نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) على التعلم والدراسة. فقد نصح المؤمنين «بطلب العلم من المهد إلى اللحد»، و»بطلب العلم ولو في الصين».
على الرغم من أن العالم الإسلامي العظيم يرزح الآن تحت وطأة حقبة مؤلمة من العذاب والمعاناة، علاوة على الجمود الشامل في الحركة الثقافية، إلا أن المسلمين قادرون على تحقيق عودة قوية من جديد دون أدنى شك، أفضل حتى من تكرار ماضيهم التليد. فبمجرد اتباعهم لتعاليم القرآن الكريم، وتحطيم قيود التعصب، سوف تبدأ شمس المسلمين في الشروق مرة أخرى.
http://www.raya.com/news/pages/afa7579e-cf7f-4e10-93f5-f059456f09b3