
إن السلوك الذي يتخذه الإنسان في حالات المرض و الجوع و التعب و ما إلى ذلك من الأحداث المماثلة، هو معيار لمعرفة مدى توفر الإنسان على أخلاق سليمة. إن اللحظات الصعبة هي في الحقيقة اختبار للمؤمن في إيمانه و إخلاصه و ثقته بالله تعالى. إذ أنه من بين الشروط التي أخبر الله تعالى بها ليكون الإنسان حسن الخلق هي أن يكون المرء حسن السيرة (و السلوك و يتحلى بالصبر في أوقات الشدة و المرض (سورة البقرة، 177
عند مواجهة ابتلاء كالمرض مثلا، فإن المؤمن يصبر و يثابر و يضع ثقته التامة في قدرة الله تعالى. و خير مثال ما قاله نبي الله إبراهيم عليه السلام:
(" و إذا مرضت فهو يشفين ". (سورة الشعراء '، 80
فهذا القول لنبي الله إبراهيم عليه السلام، يدفع بالمؤمن إلى أن يسلم أمره لقدرة الله تعالى و ألا يجعل نفسه فريسة لليأس و القنوط. فالله الذي وهب له الصحة طوال تلك السنين الماضية و جعله معافى في بدنه و أعطاه من نعمه، قادر على أن يزيل عنه المرض. فينبغي على المؤمن أن يرضى بقضاء الله تعالى و يحمده على نعمه حتى في حالة المرض و الابتلاء.
فينبغي على المؤمن رغم الحوادث و الإصابات أن يبقى حامدا و شاكرا لله تعالى، يرجوا في ذلك ثواب الله تعالى بأن يدخله الجنة و يبدله جسما خيرا من جسمه الذي كان عنده في الدنيا. فالمؤمن يرجو مكافأة الله تعالى على صبره و مواجهته للابتلاء موقنا أن الله تعالى سوف يمنحه الأجر العظيم في الآخرة.
إن الناس الذين يفتقدون الإيمان و يتعلقون بالدنيا، لا يمكنهم التحلي بالصبر في حالات الابتلاء و الأحداث السيئة، فيسلمون نفسهم لليأس العميق. فعلى سبيل

أما الذين يجعلون من القرآن الكريم منهاجا لهم في الدنيا و يتحلون بأخلاقه، فإنهم لا يغيرون سلوكهم برغم ما يصيبهم من البلاء، بل يعرفون أنه اختبار من الله تعالى و نتيجته النهائية ستكون حسنة، إذ أن رضا الله تعالى لا يتحقق إلا بالصبر على البلاء و ذلك رغم عدم تحقيقهم لأهدافهم المادية.
إن الذين ينكرون وجود الله تعالى لا يعلمون أنه وحده الله عز و جل القادر على علاج أمراضهم و وقف انتشار المرض في أجسامهم، أما الأطباء و الأدوية و العقاقير هي مجرد أسباب يأخذها الإنسان و لا يمكنها أن تعالجه إلا بإذن الله تعالى. هذا هو منطق المؤمن الذي يمكنه من خلاله مواجهة المرض، فهو يصبر على مصابه مع طلب الشفاء من الله بالدعاء و في نفس الوقت يأخذ بالأسباب المتاحة له من اختيار الأطباء الجيدين و تعاطي الأدوية و العلاجات مع التذكر دائما أن الشفاء بيد الله تعالى.
القرآن الكريم يثني على أخلاق النبي أيوب (عليه السلام) ، الذي كان دائما يلجأ إلى الله في مرضه :
(إنا وجدناه صابرا , نعم العبد إنه أواب ) (سورة ص : 44)
صبره وإخلاصه لله موضح في الآية التالية :

وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين ;فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهلهومثلهممعهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) ( سورة الأنبياء ، 83-84)
إن الأخلاق العالية التي قدمها نبي الله أيوب (عليه السلام) عندما كان مصابا بالمرض هي خير مثال للعبد الذي يلتجأ إلى الله وقت الابتلاء و الكرب، فقد كان صابرا و ثابتا و موقنا أن الشفاء من عند الله تعالى وحده، و أن الله تعالى قادر على أن يرفع عنه المرض و أن يشفي كل المرضى الذين يصبرون، فالله عز و جل يساعد عباده الذين يتحلون بالصبر. قال الله تعالى:
(واصبروا. إن الله مع الصابرين). (سورة الأنفال ، 46)