يُعدّ التطرفُ بمثابةِ الطاعون الذي يتغذى على العنف. وقد اكتسب قوته نتيجةً للسياسات الخاطئة التي اتُبِعت على مدى الأعوام العشرين الماضية. فعلى الرغم من أن التدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق ابتُدئ بدعوى "الحرب على الإرهاب"، ساعد استخدام أسلوب العنف والغضب -باعتباره استراتيجية رئيسية لمواجهة التطرف- على انتشار هذا الطاعون وترسّخه.
بعد منع الرئيس دونالد ترامب مواطني ست دول من دخول الولايات المتحدة، ثمّة بعض النقاط التي ينبغي أن تخضع للتقييم لمنع الولايات المتحدة من القيام بالأخطاء التي ارتكبتها في الماضي.
بادئ ذي بدء، يجدُر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب هو من نوعٍ من القادة الذين ينبغي أن يتحالف معهم المجتمع الإسلامي وقادته الذين يسعون بإخلاص إلى تحقيق السلام. فرسالة ترامب ليست مُبهمة أو عصيّة على الفهم؛ لأنه في الأساس يتخذ موقفاً صارماً وصلباً ضد التطرف. طالما انتابت مشاعر المرارة والغضب والكراهية نحو الولايات المتحدة الإرهابيين المتطرّفين، الذين يرتكبون أعمال العنف باسم الدين بعقلياتهم الظلامية الممتلئة بالغضب والعنف والقتل. ويوجد عددٌ كبيرٌ من الناس الذين يضمرون هذه المرارة ضد الولايات المتحدة، إلا أنهم في ذات الوقت يستفيدون استفادةً قصوى من نظام التعليم، والدعم الاجتماعي، والحريات، والثقافة، وجودة وازدهار الولايات المتحدة. إننا نتفهّم أن ترامب يرغب في اتخاذ تدابير لحماية مواطنيه. بيد أن الخطأ هنا لا يكمن في نواياه، بل في الطريقة التي يستخدمها.
لن ينتج عن القصف والمنع وبناء الجدران إلا نفس النتيجة على الدوام: إنها الكراهية. إذ يمكن أن تؤدي الكراهية إلى حالة من الاستياء التي قد تنتاب حتى أرقّ القلوب بين جموع المسلمين الذين يحبون أمريكا، والذين يؤمنون بالعلاقات الودية مع اليهود والمسيحيين. كما يمكنها أن تؤدي إلى مشاعر العزلة وعدم الثقة. فلم تكن أبداً مشاعر الرفض وعدم حب الآخرين بنّاءةً، بل إنها دائماً على النقيض من ذلك.
أما المتطرّفون، فإنهم يحتفون بمثل هذه الفُرقة؛ لأنّها تزيد من فرص تبرير كراهيتهم. إذ إنّ أي بيانٍ تطلقه الولايات المتحدة أو أي قرارٍ تتخذه وهي في حالة من الغضب- هو تحديداً ما يرغبون فيه. لذا، لا تساعد الطريقة التي يختارها ترامب في الحرب على الإرهاب، بل إنها تشجّع الإرهابيين.
كما أن مشكلة الإرهاب لا تصيب الولايات المتحدة وحسب، بل العالم بأسره. ولا يكمن حل هذه المشكلة في عزل البلاد عن باقي العالم، إذ لا يمكن تحقيق هذا الحل إلا عبر مجابهة المشكلة معاً عن طريق التعليم. فالكُلفة من أي حملة تعليمية لن تتعدى جزءاً صغيراً من كُلفة بناء الجدران وصناعة القنابل. كما أنها لن تقتل الناس، أو تدمّر المدن، أو أنها طريقة لتفريخ الإرهاب، بل إنها ستدمّر الأيديولوجية التي تحفّزهم وتقودهم إليه. ولهذا السبب ستكون المواجهة الفكرية حلاً أكثر كفاءة واستدامة. وفي هذا الصدد، ينبغي على ترامب والمسلمين أن يستفيدوا من هذه الفرصة.
فمن المهم وجود آلية فعّالة لدى المستشارين الرئاسيين، لا سيما اللجان الاستشارية التي ستتبادل الرؤى مع الوحدات الجديرة بالثقة في الشرق الأوسط. فضلاً عن أن آلية التقييم واتخاذ القرارات وفقاً للرؤى الكلية لحزب ترامب وشعبه - سوف تقضى على ظهوره بمظهر "الرجل الوحيد"، وسوف تساعده على اتخاذ مزيد من القرارات المثمرة.
يعتبر التطرف ظاهرة عالمية. فيمكن أن يخرج المتطرّفون من الدول الست مثار القضية، مثلما يمكن أن يصير مواطن أوروبي أو حتى أمريكي شخصاً متطرّفاً. فضلاً عن أن البيانات التي جمعها أليكس نوريستا من معهد كاتو خلال الفترة بين 1975 وحتى 2015، كشفت عن عدم تعرّض أي مواطن أمريكي للقتل فوق التراب الوطني الأمريكي على يد أي إرهابي أجنبي من الدول السبع التي وُضِعَت على هذه القائمة. وكما نرى، ليست المشكلة في هذه البلاد، بل في العقلية ذاتها.
ينبغي أن تُشنّ حملة تعليم فعّالة ضد التطرّف والغضب والكراهية بالتنسيق مع المسلمين. فالأيديولوجية هي التي تغذّي الإرهاب. وحتى هذه اللحظة، تبقى الأيديولوجية القضية الوحيدة التي لم تُعالَج بعد. ويجب أن يكون ترامب أول رئيس أمريكي ينجز هذه المهمة.
هذا ما نتمناه نحن المسلمون الحقيقيون، إننا نتمنى أن تحيا أمريكا بلداً حراً وديمقراطياً ومزدهراً وسعيداً. ولا ينبغي أن يتم ذلك عن طريق إقامة الحدود وفرض الحظر، بل عبر بذل الجهود من أجل نشر الحب والتعليم والعمل. وسوف يرحّب العالم الإسلامي بيد ترامب إن مدّها إلى المسلمين في كفاحهم الأيديولوجي ضد الإرهاب.
http://www.raya.com/news/pages/7f265cc2-b13f-4efe-85db-eeecb1ff28fe