يُعد القتل على الدوام واحدًا من الأمور المخيفة، وهو أكثر رعبًا وبغضًا بين هؤلاء ممن يعيشون في خضم هذه الحوادث المروعة. استيقظ الشعب الأمريكي – مرة أخرى – على حدثٍ قاسٍ ومتطرف وهو المتمثل في حادثة القتل الجماعي التي شهدتها ولاية أوريجون الأمريكية، والأسوأ من هذا أنه حادث إطلاق النار الثاني الذي يحدث في إحدى المدارس في الولاية نفسها وفي عهد ضابط الشرطة المسؤول نفسه، حيث شهد الرقيب جوزيف كايني الحادثين كليهما.
في صباح الخميس الماضي قام رجل مسلح يُدعى كريس هاربر ميرسر والبالغ من العمر 26 عامًا بإطلاق النار على طاقم التدريس والطلاب داخل أحد الفصول الدراسية الواقعة بمجتمع أومبكا التعليمي بولاية أوريجون. قام مُطلق النار بقتل نفسه وذلك خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة وذلك بعد أن ترك خلفه 10 قتلى والعديد من المصابين. يعود الحادث السابق لعام 2006 عندما قام مراهق بإطلاق النار من الخلف بواسطة مسدس على طالب يُدعى جو مونتي، ولحسن الحظ فقد نجا جو من هذا الحادث المروع.
لا نعلم ما إذا كانت حادثة القتل الجماعي هذه ستكون الأخيرة من نوعها أم لا وذلك لأن معدل تعرض الأمريكيين لحوادث إطلاق النار الجماعية هذه السنة فقط وحتى يومنا هذا قد بلغ أكثر من واحدة في اليوم. وكالمعتاد، فقد قام الرئيس أوباما أثناء كلمته التي أعقبت هذا الحادث المروع بتقديم التعازي لأسر الضحايا الذين فقدوا أحبتهم في هذا الحادث، وقد قال مضيفًا أنه يصلي ويدعو لعدم حدوث أشياء مماثلة لتلك الحوادث في المستقبل، ورغم ذلك، فقد أكمل الرئيس كلمته بالتحدث عن عدم وجود ضمان يمنع تكرر مثل أحداث القتل هذه مرة أخرى، وقد عبر – الرئيس أوباما – عن هذا الأمر ببعض الكلمات التي تعكس مدى استيائه قائلًا "إنه من الأشياء المروعة أن أقول مثل هذا الأمر". وقد كان – الرئيس أوباما – محقًا في كلماته التي قالها في خطابه للأمة وذلك لأنها أتت بعد العديد من الحوادث المشابهة لهذه الحادثة والتي وقعت في ولايات كونيتيكت، وكولورادو، وأريزونا، وتكساس، وفي تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية. على سبيل المثال – في يونيو من العام الماضي – تعرض مواطنو أوريجون بشكل مؤسف لحادث إطلاق نار آخر داخل إحدى المدارس والذي راح ضحيته طالب بالمدرسة، بالإضافة إلى إصابة مدرس، وقد صرح الرئيس أوباما في كلمته التي أعقبت هذا الحادث "أكثر ما يشعرني بالإحباط كرئيس أن هذا المجتمع ليس لديه الرغبة في اتخاذ بعض الخطوات الجادة لإبعاد الأسلحة عن يد هؤلاء ممن يمكن أن يسببوا الأضرار، إننا الدولة المتقدمة الوحيدة التي يحدث فيها مثل هذا الأمر – إطلاق النار الجماعي – أسبوعيًا." ولكن، ومع ازدياد عدد الحوادث المأساوية، فقد بدا غضب الرئيس أوباما واضحًا للعيان أثناء خطابه الأخير، وقد ظهر هذا التذمر والضجر عن طريق الكلمات التالية "بشكل ما فقد أصبح هذا الأمر روتينيًا، فقد أصبح الإبلاغ عن الحادث روتينًا، وأصبح ردي وكلماتي من هذه المنصة في نهاية الأمر أمرًا روتينيًا، لقد أصبح الحديث عن الأمر بعد حدوثه هو الشيء الذي اعتدنا عليه".
وبالنظر للإحصائيات، فإننا سوف نصطدم بالحقيقة المرعبة المُستخلصة من حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة، فحادث إطلاق النار الذي وقع في أوريجون هو الحادث رقم 45 لإطلاق النار داخل مدرسة في عام 2015 فقط، فيما بلغت حوادث إطلاق النار الجماعية 134 حادثة على الأقل في الفترة ما بين يناير 2009 ويوليو 2015 وذلك طبقًا لتقرير منظمة "إيفري تاون" لسلامة البنادق والذي تم نشره في مجلة "نيوز ويك".
ينظر العديد من الناس إلى اللوائح والقوانين المنظمة الساعية إلى الحد من التسلح على أنها الحل النهائي الذي سيمنع تكرار حدوث مثل أعمال القتل المروعة هذه. لا شك في أن أخذ التدابير اللازمة سيساعد في إشعار الناس بالطمأنينة ويمنع حدوث بعض جرائم القتل. ومع ذلك، فإن هذا لن يحد من عملية شراء الأسلحة، فهاربر ميرسر كان يمتلك 14 سلاحًا ناريًّا وقد تم شراؤها جميعها بطريقة قانونية. هذه اللوائح من شأنها حل المشكلة على المدى القريب فقط وبشكل جزئي، فالدافع الأساسي وراء هذه الحوادث المروعة هو الكراهية القابعة داخل هؤلاء الأشخاص المضطربين نفسيًّا. فبالفحص والدراسة التي أُجريت على الحادث الأخير وجدنا أن هناك بعض الكراهية التي يُبديها القاتل تجاه المسيحيين. وطبقا للإفادة التي وردت على لسان والد أحد الناجين فقد قال أن مُطلق النار كان يسأل الأشخاص المُستهدفين عما إذا كانوا مسيحيين، فهؤلاء الذين كانت إجابتهم "نعم" تم إطلاق النار على رأسهم، أما هؤلاء الذين كانت إجابتهم "لا" كان مصيرهم بعض الإصابات فقط.
وكما نرى في هذا الحادث المأساوي، فإن العديد من المشاكل تعود جذورها إلى السبب السبب وهو حالة انعدام المحبة. فالأنانية تتمركز في القلب من حالة انعدام المحبة، فالأشخاص الذين لا يُكنّون أي مشاعر للحب في قلوبهم هم فقط من يفكرون في راحتهم ومنافعهم الخاصة، فمثل هؤلاء الأشخاص لا يفكرون في الآخرين، ولا يظهرون أي مشاعر حب أو تعاطف معهم، ولكن هم يريدون من الجميع رغم كل هذا أن يهتموا لأمرهم وأن يقدموا التضحيات من أجلهم، مثل هؤلاء الأشخاص لا يزعجون أنفسهم بالتفكير في فعل الأشياء الخيرة للآخرين، مثل هؤلاء الأشخاص لا يعطون أي قيمة للحياة ولا لضمائرهم فهم أصبحوا ملطخين بالكراهية والغرور، لذلك فإن هذا القول بإنكار الأخلاق ينتشر في المجتمع كله كالمرض المعدي.
تُنتج مثل هذه المجتمعات العديد من القتلة الممتلئين بالكراهية مثل هاربر، وتمتد هذه الكراهية تجاه الأشخاص من أي دين أو عرق، ونتيجة لهذا فإن التغطية الإعلامية السلبية مازالت مستمرة. فبعض المجتمعات تكون أكثر عُرضة للدخول في اضطرابات وهي أبعد ما تكون عنها، فهم يغفلون في بعض الأحيان عن فكرة أنه لا وجود لضمان يمنع حدوث مثل هذا الشيء لأحبتهم، فربما لن يجدوا من يهتم لأمرهم مثلما يفعلون مع جميع هؤلاء البشر الذين يعانون حول العالم.
هؤلاء الذين يعيشون بعيدًا عن الإيمان والقيم الأخلاقية دائمًا ما يشعرون ببعض الاضطرابات الداخلية المستمرة بشكل ثابت. على سبيل المثال، فبعض الأمريكيين يخشون من النزاعات المتفرقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط كلما استمعوا إلى نشرات الأخبار وذلك لأنهم يعلمون أن أمريكا منغمسة بطريقة أو بأخرى فيما يحدث هناك لذلك فهم يمتنعون عن زيارة المنطقة لأي سبب من الأسباب. ومع ذلك، فهم مازالوا واثقين بشكل خاطئ في قدرة حكومتهم على حمايتهم من التعرض لأي شكل من أشكال الأذى. أثبت حادث إطلاق النار الذي وقع في أوريجون أن هذه الاعتقدات لا أساس لها وذلك لأن الحكومة وقفت عاجزة ولم تستطع حماية 10 أشخاص أبرياء من التعرض للقتل. لا تمتلك أي حكومة القدرة على حماية مواطنيها إذا ما انعدمت المودة والمحبة من قلب المجتمع. ومع ذلك، فإن التوصل للسلام والتناغم مازال ممكنًا عن طريق اتخاذ المحبة سلوكًا. وبجانب هذا، فإنه ليس من الصعب كما يفترض البعض أن نمتلك مجتمعًا قائمًا على القيم الحميدة والحب طالما أن جميع الأشخاص يضمرون الحب داخل قلوبهم وذلك لأن السلوك القائم على الكراهية والأنانية والقسوة لن يجلب أي منفعة لأي شخص. وبالتالى، فإن واجبنا الأساسي يجب أن يتجه نحو تعليم – مُطلقي النار – جمال الأخلاق الحميدة والمتمثلة في إظهار المحبة والمودة للبشر والتسامح مع الآخرين، والاستمتاع بمساعدة وإعطاء من هم في احتياج، وبذل التضحيات من جانبنا.