يُعد الاكتئاب أكثر الأمراض انتشارًا في المجتمعات المعاصرة، إذ يُطلق عليه “طاعون العصر” بسبب قدرته التدميرية الهائلة؛ فهو يدمر الصحة البدنية والنفسية للإنسان، ويعطل حياته العملية، وعلاقاته الاجتماعية والعائلية، كما أنه يشكل عائقًا كبيرًا أمام الأشخاص المصابين به، إذ يمنعهم من التأقلم مع حياتهم اليومية. فهو اضطراب يؤثر بالسلب على جميع جوانب حياة الإنسان، بدايةً من الأفكار، والمشاعر والسلوكيات، ومرورًا بعادات التغذية والنوم، والعمل، وانتهاءً بالعلاقات الشخصية. وهو حالة من الانهيار النفسي، تؤثر على الجميع دون التمييز بين غني أو فقير، جاهل أو مثقف، صغير أو كبير، رجل أو امرأة.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) لعام 2017، يعاني 322 مليون إنسان على مستوى العالم من الاكتئاب، أي بعبارة أخرى، تبلغ نسبة الإصابة بهذا المرض 4.4% من إجمالي سكان العالم. وهو رقم بالغ الخطورة، فهو يدل على أن الاكتئاب هو أكثر الأمراض انتشارًا في العالم. من أجل ذلك، حددت منظمة الصحة العالمية مرض الاكتئاب عنوانًا ليوم الصحة العالمي في السابع من أبريل، للفت الانتباه لمدى خطورة هذه المشكلة.
يتجه معدل الإصابة بالاكتئاب إلى الارتفاع في شتى أنحاء العالم، بما في ذلك المجتمعات الأكثر تحضرًا، والدول الأكثر تقدمًا في عالمنا المعاصر. إذ بلغ معدل الارتفاع بالإصابة بالاكتئاب بين عامي 2005 و2015، 18.4%، وهي زيادة كبيرة جدًا. كما ينتشر الاكتئاب بمعدل أكبر بين النساء بنسبة إصابة 5.1%، بينما نسبة إصابة الرجال تبلغ 3.6%. إذ تتأثر النساء بشكل أكبر بمضاعفات هذا المرض. علاوة على ذلك، فإن معدل الإصابة بهذا المرض يرتفع عند كبار السن عن صغار السن، إذ تبلغ ذروة الإصابة بهذا المرض لدى الأشخاص الذي تتراوح أعمارهم بين 55 و74. ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، يعد الاكتئاب من بين الأمراض غير القاتلة، إلا أن الاعتلال الجسدي الناجم عنه، يُصنف ضمن مسببات التدهور الشديد في الصحة. أضف إلى ذلك، هناك تطور آخر مثير للقلق، وهو الارتفاع الكبير في استخدام أدوية الاكتئاب، وارتفاع معدل استهلاك تلك العقاقير كما لو كانت جزءًا من نظام الغذاء اليومي للمصابين. فوفقًا لدراسة أعدها المركز الوطني الأمريكي للإحصاءات الصحية (NCHS)، وعندما قارنوا إحصاءات الفترة بين عامي 1988 و1994، بالفترة بين عامي 2005 و2008، وجدوا أن معدل استهلاك مضادات الاكتئاب في جميع الفئات العمرية في الولايات المتحدة الأمريكية، قد زاد بنسبة تقترب من 400%. ومن بين أعلى العقاقير الطبية التي يصفها الأطباء انتشارًا، تأتي مضادات الاكتئاب في المقدمة. غالبًا ما يكون الاكتئاب خليطًا من مشاعر الحزن، والأسى، والقلق، والإرهاق، وعدم الاكتراث، والأرق، واليأس، وانعدام الأمل، والعصبية، والتوتر، والفراغ، وانعدام التقدير، والشعور بالذنب، جنبًا إلى جنب مع القلق المفرط، والضيق، وكثير من الاضطرابات الجسدية المختلفة. ومن بين أكثر هذه الأعراض خطورة، التفكير في الانتحار، والذي يبدأ بالسيطرة على عقل المريض في المراحل المتأخرة من المرض. ويمكن تفهم خطورة الوضع بشكل أكثر وضوحًا إذا أخذنا في الحسبان ملايين البشر الذين يحاولون الانتحار كل عام، إذ يفقد قرابة 800 ألف شخص حياتهم من بين محاولات الانتحار السنوية، ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، فإن الاكتئاب هو الدافع الرئيسي وراء وجود أفكار الانتحار تلك. إن الجهود المبذولة للقضاء على الاكتئاب، من ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، والتغذية الصحية، وانتظام النوم، والتغيير الإيجابي في نمط أسلوب الحياة، وتناول مضادات الاكتئاب تحت إشراف طبيب متخصص، والعلاج بالدعم النفسي، قد تكون مفيدة إلى حد ما، ولكن من أجل التوصل إلى حل حاسم ودائم، يجب القضاء على المسببات الرئيسية للاكتئاب. تعيش المجتمعات المعاصرة تحت تأثير أجواء قاسية وفاترة وتفتقر إلى الحب؛ أغلب الناس لديهم ميل كبير نحو الأنانية، وعدم الاكتراث، والكراهية، وعدم التسامح، وانتفاء الرحمة، والندية القاتلة. كما أن أغلب الناس يفضلون عمل ما يحقق مصالحهم فحسب، وليس ما يتوائم مع ضمائرهم. وبالتالي، ينتج عن السعي وراء المصلحة الذاتية الاضطراب والضجر والتوتر. هذه المشاعر ليست من نوعية المشاعر التي يستطيع الجسم البشري أن يتحملها باستمرار. لأن وجود جو عام يتناقض مع الطبيعة البشرية، من شأنه أن يتسبب في خلل في الصحة العقلية والروحية والبدنية. إذ يجب أن تستقي روح الإنسان باستمرار معاني التضحية والحب والأخلاق والجمال الروحاني. فمن خلال الاحترام، نستطيع الوصول إلى حياة كريمة هانئة.
إن الحياة التي تتمحور حول الذات، دائمًا ما يسيطر عليها الغضب والكراهية، وهو ما لا يجب أن يكون عليه أسلوب الحياة الحقيقية. فحقيقة أن معظم الناس الذين يقعون في هذا الخطأ، لا يجب أن يخدعوا أي أحد، لأن الناس تستطيع أن تملأ قلوبهم بالحب والسلام بسهولة. كما أن صراعات وتناقضات العالم المادي لن تستطيع أن تحقق أسلوب حياة فائق للبشرية، بل العكس هو الصحيح، فالتضحيات التي يقدمها الناس تستطيع تحقيق ذلك.