هل فكرت بأنواع الحياة التي تزخر بها الطبيعة من حولك؟ لنفكر بالنباتات التي نراها في الكتب، أو في المسلسلات الوثائقية في التلفاز: زهور القرنفل، الورود، زهرة الربيع، الليلك المائي، النباتات المدارية العملاقة، أشجار الأناناس والأكاسيا· لنتذكر البنية الورقية لكل منها، مذاقها، ألوانها، رائحتها وطرق التركيب الضوئي فيهاوالتفاصيل التي تختص بها كل منها ·
لنتأمل الحيوانات أيضاً: الزرافة، الظبي، الفيل، الدجاج، أنواع الأسماك على اختلافها، طيور الشحرور، الطاووس، النعامة، الأرنب، الفراشات والحشرات بأنواعها· لنتفكر بتركيبها، بسلوكها وبالطريقة التي تصطاد وتتكاثر بها ·
حتى هذا التأمل المختصر يجعلنا ندرك تنوع الكائنات الحية على الأرض التي نعيش عليها· ما نعلمه حتى الآن، أن هناك 200 ألف نوع من الفراش يعيش على هذا الكوكب· علاوة على ذلك فقد أثبت علماء الطبيعة أن هذه الأنواع تمثل مليون صنف من الفراش، وكلها ذات تركيب معقد، وأنظمة فردية مميزة تتبع أساليب تمويه مذهلة· البعض يحاكي ورقة الشجر ليختبئ من عدوه، والبعض يمتلك رسماً لعيون على أجنحته للغرض نفسه ·
تأمل تنوع هذه التصاميم المتميزة، ولا تتجاهل أنه لا يمكن لهذه الملايين من الكائنات الحية ، وكل منها فريد في تصميمه، أن تكون قد تطورت عن بعضها ·
إن الشخص الذي يحاول جاداً فهم وإدراك صفات الكائنات الحية، سوف يجد بسهولة جواباً على السؤال: ''كيف نشأت الحياة؟ '' لقد حبا الله كل الكائنات الحية بخصائص مدهشة وأظهر للإنسان آيات وجوده وعظمته ·
لا تتجاهل هذه الحقيقة الواضحة والتي لا تتطلب جهداً في الوصول إليها ·
بَدِيعُ السَّمواتِ والأرضِ أَنَّى يَكونُ لَهُ وَلَدٌ ولم تَكُنْ له صاحبةٌ وخَلَقَ كلَّ شيءٍ وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ ذَلكمُ اللهُ ربُّكم لا إلهَ إِلا هُوَ خَالقُ كُلِّ شيءٍ فاعْبُدوهُ وهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ وَكِيلٌ . الأنعام 101-102 .
وبعيداً عن هذا التنوع، فإن عدداً من المخلوقات الموجودة في الطبيعة مجهزة بأنظمة مدهشة وآليات معقدة، يمكنها أن تنجز بواسطتها الكثير من المهمات الصعبة، منها أعمال يعجز الإنسان عن القيام بها· لا يمكن لهذه الأنظمة المعجزة التي تهيمن على هذه الآليات أن تفسر على ضوء المصادفة التي تقول بها نظرية التطور· كل كائن حي وهب تصميماً خاصاً يتوافق مع البيئة التي يعيش فيها· من غير المحتمل أن تقوم هذه الكائنات بتصميم هذه الأنظمة بنفسها؛ إنها متأصلة في خلق هذه الكائنات· وفي هذا الفصل سنلقي الضوء على الأنظمة المعجزة لبعض النباتات والحيوانات ·
تأمل بعمق وأنت تقرأ هذه الأمثلة ، ولا تتجاهل أن هذه الأنظمة بإتقانها البديع لا يمكن أن تتشكل من تلقاء نفسها ·
قد يعتقد البعض ـ عندما نقول: ''البنيات المتقنة للحيوانات'' ـ أننا نتكلم عن صفات مدهشة لكائنات غير مألوفة،لم يسمعوا عنها من قبل· إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالجميع يعرف هذه الكائنات التي نتكلم عنها· هناك تصميم عظيم في جسم الحشرة أو الطائر الصغير· هذا التصميم معقد إلى درجة أنه حتى الآن لم يتمكن أي إنسان من إنجاز أي من هذه التصاميم· إن كل عين مبصرة يمكنها أن تدرك بسهولة أن هذا التصميم الواضح في كل ركن من أركان الطبيعة يقدم دليلاً واضحاً على الخلق ·
يتجلى التصميم المعجز في جناح الذبابة، التي ترفرف بأجنحتها نحو 500 مرة في الثانية. |
على سبيل المثال: تحتاج الذبابة إلى كمية كبيرة من الطاقة لكي تطير، ولهذا فهي تمتلك نظاماً تنفسياً فريداً، حيث تقوم أنابيب دقيقة خاصة بنقل الأوكسجين مباشرة من الهواء إلى الخلايا، مما يسمح باحتراق سريع للأوكسجين، وهذه إحدى الصفات المعجزة التي تتمتع بها الذبابة· لقد لفت الله عز وجل نظرنا إلى التصميم الرائع في خلق الذبابة بقوله :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُواْ لهُ إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِنْ دونِ اللهِ لَنْ يخَلُقُوا ذُباباً وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ والمطْلُوْبُ .الحج: 73 .
لنتأمل النحلة، كلنا سمع عن الحياة الاجتماعية للنحل، وأقراص العسل ذات البنية السداسية· إلا أن الصفات المعجزة للنحل لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تعتبر العناية بالخلية جزءاً أساسياً في حياة النحلة· تقوم النحلات العاملات بالحفاظ على درجة حرارة الخلية وضمان أمنها ونظافتها، فمهما كانت درجة الحرارة خارج الخلية، فإن النحل يحافظ على الحرارة في الداخل، وخاصة في غرفة الحضانة، ثابتة عند الصباح الباكر ومع برودة نسيم الفجر، تتجمع النحلات حول الخلية لتدفئ الصغار بحرارة جسمها، وعندما تبدأ حرارة النهار بالاشتداد يأخذ هذا التجمع بالانحلال شيئاً فشيئا إلى أن يختفي· إذا استمرت درجة الحرارة بالارتفاع، تبدأ النحلات بالتهوية بأجنحتها مولدة تياراً بارداً عند مدخل الخلية، وفوق أقراص العسل· وفي الأيام الشديدة الحرارة، يتوجب على النحلات انتهاج أسلوب أكثر تعقيداً في التبريد، حيث تقوم بوضع بعض القطرات من العسل المخفف في فتحات الخلايا الفارغة، ثم تولد تياراً برفرفة أجنحتها مما يؤدي إلى تبخر هذا السائل· يخفض نظام التبريد هذا من درجة حرارة الخلية بشكل كبير· وإذا لم يكن هناك المزيد من العسل الطازج والمخفف، تخرج العاملات في بحث عن الماء·4
نحلات تعمل للإبقاء على درجة حرارة الخلية ثابتة. |
إن التصميم المعجز في الكائنات الموجودة حولنا هو نظام متأصل فيها· لا شك أن هذه الصفات التي ذكرت هنا ما هي إلا جزء صغير من خصائصها المدهشة· إنها آيات وجود الله العظيم ولكن··· لقوم يعقلون · إلا أن معظم الناس لا يفكرون بهذه الأشياء أو أنهم يجهلون الصفات المعجزة للمخلوقات · لا تتجاهل الخلق المعجز والفن الإلهي الفريد ·
إن خلق الله المعجز، والذي ليس كمثله شيء، موجود في كائنات لا نشاهدها دائماً، والسمندر أحد الأمثلة المذهلة· تستطيع هذه المخلوقات من العيش في أعماق التربة المتجمدة لعدة سنوات، ثم تعود إلى طريقتها العادية في الحياة عندما يتحسن الطقس ويذوب الجليد· يمكن لحيوانات السمندر هذه أن تعيش تحت درجة حرارة _50 درجة مئوية، والفضل في ذلك يعود إلي المادة المضادة للتجمد والتي يتم إنتاجها في أجسامها لتحميها من البرد الجليدي· هذه المادة المضادة للتجمد والتي تحل محل الماء في الدم تقي الأنسجة من الأضرار التي تسببها البلورات الجليدية·5
تبدي ذبابة النار التكنولوجيا الحديثة بنظامها المتأصل في خلقها |
تتمتع ذبابة النار بميزة الإضاءة، والضوء الذي تصدره غير حراري، أي أنه ''ضوء بارد''· يعتبر الضوء البارد إنجازاً تقنياً خارقاً في عالمنا اليوم، اعتُقد أنه لن يتحقق· تحول اللمبة العادية نسبة 3-4% من طاقتها الكهربائية إلى ضوء، والباقي يتحول إلى حرارة· أما ذبابة النار فتحول 100% من طاقتها إلى ضوء، دون أن تبدد أيًّا منها حرارياً·6
تُملأ الغواصات البحرية بالماء لتصبح أثقل منه مما يساعد على غوصها إلى أعماق المحيط· وعندما يخفف الماء من الغواصة عن طريق الهواء المضغوط تطفو الغواصة إلى السطح مرة أخرى· يتبع النوتي ـ وهو حيوان بحري من رأسيات الأرجل ـ نفس الطريقة· يحتوي النوتي، وهو مخلوق حلزوني على شكل قوقعة الحلزون يبلغ قطره 19 سم، على 28 ''خلية غوص'' مترابطة· ولكن كيف يتمكن هذا الحيوان من إيجاد الهواء المضغوط اللازم لنفث الماء؟ من الصعب أن تصدق الالية التي يتبعها! ينتج النوتي عن طريق بعض العمليات الكيميائية نوعاً خاصاً من الغاز ينتقل إلى الخلايا عن طريق الدم· هذا الغاز يعمل في النهاية على إخراج الماء من الخلايا· يقوم النوتي بضخ الماء اللازم للغوص والطفو وبذلك ينجز الأعمال الأساسية لبقائه مثل الصيد والوقاية من الأعداء· تغوص الغواصة حتى عمق 400 متر تحت الماء، بينما يمكن للنوتي أن يغوص حتى 4000 متر·7
(فوق) النوتي حيوان بحري مدهش. |
من المؤكد أن الإنسان ليس هو من أوجد نظام التكييف· فكل كائن من ذوات الدم الحار لديه عدة وسائل للتحكم بدرجة حرارة جسمه· على سبيل المثال: يتحتم على الغزال أن يعدو بأقصى سرعة ممكنة ليهرب من أعدائه· هذه المحاولة ترفع درجة حرارة الجسم، ولكن لكي يبقى الغزال على قيد الحياة ،يجب أن يحتفظ بدماغه بارداً ·
صورة عن البنية العظمية للغزال (يسار). يعتزم الغزال الفرار من عدوه (يمين). |
لهذا السبب يحمل رأس الغزال نظام تبريد خاص به · يمتلك الغزال مئات الشرايين الصغيرة التي تتفرع وتمر خلال بركة كبيرة من الدم، تتوضع إلى جانب الممرات التنفسية· يقوم الهواء الذي يستنشقه الحيوان بتبريد هذه البركة، وبالتالي تتبرد الشرايين الدقيقة التي تمر بالبركة، ثم تجتمع هذه الشرايين ضمن وعاء دموي واحد يحمل الدم إلى الدماغ· غني عن القول: إن غياب هذا النظام يعني ببساطة: موت الغزال·8
تتميز طيور الصيد بعينين حادتين تمكنانها من تحديد موقع الفريسة وحماية نفسها من الأعداء، وأفضل من يتميز بحدة النظر من هذه الطيور هو البومة· تستطيع بعض أنواع البومة أن تدير رأسها بزاوية مئة درجة، وهذه خاصية مفيدة جداً لتكبير زاوية الرؤية عند البومة · لا شك أن أكثر الخصائص تميزاً في عيني البومة حجمها الكبير· هاتان العينان تغطيان مساحة واسعة من وجه البومة، حيث لا يفصل بينهما أكثر من عظم رقيق، وتتوضعان ضمن التجويف العيني حيث لا مكان للعضلات· إذن لا يمكن لعيني البومة أن تتحركا، مما يضطر البومة إلى تحريك رقبتها المرنة في اتجاهات مختلفة·9
ما إن تحدد البومة مكان عدوها حتى تنقض عليه· وتختلف البومة عن معظم الطيور التي تحدث جلبة أثناء طيرانها، فصوت أجنحة النسر، مثلاً، تُسمع على بعد أميال، شأنه شأن غيره من الطيور الكبيرة· إلا أن هذه الجلبة ليست في صالح الطيور الليلية القانصة· فالبومة مثلاً تطير دون أن تحدث صوتاً وذلك يعود إلى رياشها الناعمة، والتي تحمل في نهاياتها بنية شبيهة ببنية الشرَّابة، يمتص السطح المخملي للأجنحة الصوت بشكل فعال.10
الحية ذات الأجراس يمكنها بعينيها الحساستين للحرارة أن ترى الحيوانات ذات الدم الحار حتى في الظلام الحالك. |
تتمكن الحية ذات الأجراس من تحديد مكان فريستها حتى في الظلام الحالك· تستطيع هذه الأفعى أن تشعر بوجود الجرذ على بعد 15 سم، بالرغم من أن الجرذ لا تتغير حرارته بنسبة كبيرة، بل إن هذا التغيير لا يتعدى 0,005 درجة مئوية· تنتقل المعلومات التي تخص الفريسة إلى الدماغ، حيث يتم تحليلها، ومن ثم الاستجابة لها من قبل الأفعى خلال أقل من 1/20 من الثانية· وعندما ندرك أن الثانية لا تتعدى طرفة العين، يمكننا أن نتفهم السرعة التي تتصرف بها الأفعى بشكل أفضل· تحدد ذات الأجراس مكان فريستها دون خطأ، فتهاجمها وتقتلها بسم أسنانها·11
يقوم ثعلب الماء، أو القضاعة، بتسريح فرائها بأقدامها، وهي طريقة تتمكن من خلالها تنظيف وتصفيف فرائها بمساعدة المادة الزيتية التي يفرزها الجلد· هذه العملية أسلوب فريد في تهوية الفراء حيث إنها تسمح باحتجاز فقاعات من الهواء داخل الفراء السميك· في طقس الباسيفيكي المتجمد، تؤدي خاصية الفراء الذي يحتجز الهواء دوراً أساسياً في تكيف ثعلب الماء مع الظروف الجوية القاسية· ببساطة، تحمي هذه الفقاعات الصغيرة المحتجزة ثعالب الماء من التجمد، ولذلك تكون الترسبات التي تؤدي إلى تعتيم فراء ثعلب الماء، والتي غالباً ما يسببها النفط المتسرب إلى ماء البحر، مميتة·12
يحمي ثعلب الماء نفسه من التجمد في الباسيفيكي بطريقة خاصة. |
تستطيع فقمة ''ويدل '' أن تعيش في مياه القطب المتجمدة، حتى عندما تنخفض درجة حرارة الهواء الى -65م ودرجة حرارة إلى الماء الى أقل من _25 درجة مئوية، في أيام الشتاء الباردةكما لا تتأثر بالتغيرات الشديدة للضغط عندما تغوص إلى عمق المحيط، لأنها قبل أن تقوم بذلك تنفذ عدداً من الغطسات السطحية، وبفواصل متقاربة· يخرج الهواء من الرئتين عن طريق فتح وغلق الحجاب الحاجز وعظام القفص الصدري، ثم تنغلق الرئتان بعد برهة ، وعندما تصبح الرئة فارغة من الهواء، يصبح النتروجين غير قابل للانحلال، وبذلك يفقد كل إمكانية للدخول إلى الدم· بهذه الطريقة تتمكن الفقمة من البقاء على قيد الحياة· وعلى عكس الثدييات الأخرى، فإن القصبات الهوائية عند الفقمة بيضوية الشكل وليست دائرية، مما يسهل انغلاقها تحت الضغط العالي· هذه البنية تجعل تكيف الفقمة مع بيئتها أمراً سهلاً·13
طائر الطنان. |
يخفق قلب الطائر الطنان أثناء النهار بمعدل يتراوح ما بين 500-1200 خفقة في الثانية، وفي الليل يتباطأ خفقان قلبه حتى لا يكاد يسمع، لدرجة يبدو معها الطائر وكأنه قد توقف عن التنفس· في الواقع هو يفعل ·كما يفعل القنفذ عندما يقترب الشتاء، مع فارق أنه يتوجب على الطنان أن يَسْبُت 365 مرة في السنة·14
هذه أمثلة بسيطة على تنوع الكائنات الحية، ومع ذلك فهي كافية للكشف عن الخصائص المتأصلة فيها· من غير المحتمل أن تكون هذه الأنظمة المتقنة قد حدثت عن طريق المصادفة· الحوادث التصادفية ليس لها وعي ولا إدراك؛ كما لا يمكنها وضع أي خطة أو تنفيذها· هذه التصاميم المتقنة ما هي إلا أحد الدلائل على أن جميع الكائنات الحية قد خلقت خلقاً· إنه الله خالق الأكوان، هو الذي حباها بالصفات والخصائص التي تضمن لها حياتها· حكمة الله وعظمته تتجلى في خلقه جل وعلا ·
لا تتجاهل أن هذه الأنظمة المعجزة هي من خلق الله العظيم ·
تناول نبتة من النباتات وتأمل أوراقها، وتفحص النظام الذي رتبت به أجزاء الورقة، لونها ولمعانها· فكر كيف تبقى أوراق الأشجار التي تعلو امتاراً عديدة عن سطح البحر خضراء على مدى أيام السنة؟ ثم التفت إلى الطيور، وانظر إليها وهي تطير في السماء، خذ أحد رياشها وتفحصه تحت المجهر، سيظهر لك هذا الفحص أنها مكونة من آلاف الأجزاء المرتبطة مع بعضها بواسطة خطافات ·
حتى التصميم الفريد لريشة الطائر يدل على خلق الخالق. |
إن تفحصنا عدداً آخرمن الكائنات الحية، سنصل الى نتيجة واحدة وهي أن جميع الكائنات الحية قد أوجدت من خلال تصميم مفصل ودقيق· كيف جاءت هذه الرياش إلى الوجود؟ هل من الممكن أن يعزى وجودها إلى المصادفة العمياء؟
لنقدم الجواب على هذا السؤال بتساؤل آخر: هل يمكن بناء الطائرة دون مخترع؟ هل يمكن لمجموعة من ذيول الطائرات أن تبني مصنعاً؟ الجواب واضح، المنتجات الصناعية تدعّم بتراكيب معقدة ويقوم بتصميمها وإنتاجها أشخاص أذكياء· وعلى نفس المبدأ فإن التصميم المتقن الذي نراه في كل ركن من أركان الطبيعة، هو من خلق الله العظيم· هذه حقيقة واضحة·يقول بيير غراسيه، عالم الحيوان وهو رئيس سابق في الأكادمية الفرنسية للعلوم :
''يحتاج كل حيوان وكل نبتة إلى آلاف الآلاف من الحوادث المناسبة والمحظوظة· وأن تصبح المعجزات هي القاعدة: والى وقوع حوادث ذات أحتما لا ت ضئيلة ونادرة جداً· لا يوجد قانون يمنع أحلام اليقظة، إلا أنه يتوجب على العلم ألا يدخل فيها·15
إن فكرة وجود أعضاء حية عن طريق المصادفة لا تتعدى أن تكون محض خيال · لم تأت المخلوقات الحية إلى الوجود عن طريق المصادفة· لقد خلقها الله رب الأكوان ومبدعها· فلا تتجاهل هذه الحقيقة الواضحة، التي يجب أن تكون اليوم قد أضحت مفهومة بالنسبة لكل إنسان ·
إن الحكمة والتصميم الرائع الذي نراه حولنا يحكم كل الكون، بدءاً من الأرض التي نعيش عليها وانتهاء بالأجرام السماوية · إن عالمنا منظم بشكل كامل· تعمل البلايين من الأنظمة بشكل متزامن وبانسجام تام؛ هناك توازن مدهش يحكم شبكة عملاقة من الأنظمة، مما يكشف عن أن الحياة في الأرض والتي تقوم على هذا النظام المتوازن، قد صممت بشكل خاص· وتبدو هذه الحقيقة أكثر جلاء عند مقارنة الأرض مع كواكب المنظومة الشمسية الأخرى، فالأرض هي الوحيدة من بينها التي تحمل حياة على سطحها ·
تجعل التوازنات المتأصلة في بنية هذا الكوكب من الحياة أمراً ممكناً، وسرعة دوران الأرض حول محورها هي أحد هذه التوازنات· هذه الموازين الدقيقة تضمن استمرارية الحياة على سطح الأرض· على سبيل المثال، يتكون الغلاف الجوي لكوكب الأرض من مجموعة من الغازات توجد بنسب محددة تضمن البقاء للكائن البشري وغيره من الكائنات: (77 % نيتروجين، 21 % أوكسجين، 1 % ثاني أوكسيد الكربون)· لنتناول إحد هذه الغازات، وليكن الأوكسجين مثالاً: لو كانت نسبة الأوكسجين في الجو أكثر من 21 % بقليل، فستتضرر خلية الكائن الحي إلى درجة كبيرة، تعرض النباتات التي تشكل اهمية قصوى للحياة وجزيئات الكاربوهيدرات الى أضرار بالغة
الأرض: هي الكوكب الوحيد في المجموعة الشمسية الذي تتواجد على ظهره أشكال الحياة. يظهر مقطع من كوكب المريخ (أعلى). يزداد شعور الإنسان بالتصميم المعجز الملازم لكوكب الأرض عند قيامه بالمقارنة بين الأرض والكواكب الأخرى. |
ولو كانت نسبة الأوكسجين في الجو أقل بقليل، فإن التنفس سيكون نوعاً من العذاب، إضافة إلى أن تحول النتروجين إلى طاقة يصبح أمراً مستحيلاً· كذلك الأمر بالنسبة لغاز ثاني أوكسيد الكربون، فلو كانت نسبته أعلى بقليل، فسيهدد ذلك الحياة البشرية على هذا الكوكب؛ لأن ذلك سيجعل الغلاف الجوي يحتفظ بمزيد من الحرارة، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض (وهذا ما يسمى بالتسخين الكروي)· وبالمقابل يسبب نقص بسيط في نسبة ثاني أوكسيد الكربون، اختلافاً كبيراً في درجة الحرارة بين الليل والنهار، وتنخفض درجة الحرارة في الليل إلى مادون الصفر· وليست نسبة النتروجين الثابتة بأقل حساسية من الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون · والطبيعة الثابتة للغازات الجوية هي عامل أساسي من عوامل ضمان الحياة على الأرض· تنتج النباتات نحو 200 بليون طن من الأوكسجين سنوياً، وذلك بتحويل ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء إلى أوكسجين عن طريق عملية التركيب الضوئي ·
فالكتلة الأرضية التي وجدت بتكوين مثالي، يضمن تصميمها المعجز ومقدارها استقرار الغلاف الجوي، ويمنعه من الخروج إلى الفضاء الخارجي · ومع هذا التوازن الذي يحكم الغلاف الجوي، فإن ثبات درجة حرارته نسبياً يعتبر أمراً أساسياً· هذا الثبات والاستقرار له علاقة مباشرة بانتظام مدار الأرض حول الشمس ، وبميلان محور الأرض وبسرعة دورانها حولها ·
تقوم الحياة في كوكب الأرض على "القشرة"، مقطع مكوّن من سبعة طبقات بمسافة 670 كم. تشكل القشرة التي يبلغ عمقها 6370 كم 1% فقط من عمق هذا المقطع. رسم العلماء مقارنة بين التفاحة والأرض، فقالوا: إن القشرة الخارجية للتفاحة تشبه القشرة الأرضية التي تتواجد عليها الحياة، بينما يماثل الجزء الداخلي للتفاحة داخل الكرة الأرضية النواة الداخلية التي تحتوي على المواد المنصهرة. وإذاعلمنا أن درجة الحرارة على عمق 12 كم تبلغ 60 درجة مئوية، فإن هذا يعني أنها ليست ساكنة أو هادئة. كل ما تزخر به هذه الحياة من ممتلكات وأشخاص وأطفال وأعمال، إنما تقف على قمة نواة من المواد المنصهرة. |
هناك مقاييس حساسة أخرى تدعم الحياة على سطح الأرض · مثلا، إن قوة الجاذبية التي نعيش عليها تقوم على مقاييس في غاية الدقة· فلو طرأت زيادة طفيفة جداً على القوة الجاذبة، فسيعني ذلك زيادة نسبة الميثان والأمونيوم في الغلاف الجوي، أي إلحاق الضرر بالحياة على الأرض· وإذا قلبنا الوضع إي لو كانت هذه القوة أقل، فإن الغلاف الجوي سيصبح عاجزاً عن حمل الماء، ويتغير العالم ليصبح مكاناً غير صالح للسكنى ·
إن سمك القشرة الأرضية، وطبقة الأوزون، ودورات الماء والنيتروجين على سطح الأرض، ووجود الجبال، والطبيعة الواقية لطبقات الغلاف الجوي، وعيرها من التوازنات كلها من ضروريات استمرار الحياة على هذا الكوكب · إلا أن غالبية الناس يعيشون حياتهم دون أن تكون لديهم أدنى فكرة حول المقاييس الدقيقة التي توجد وفقها الغازات المكونة للغلاف الجوي، أو بعد الأرض عن الشمس، أو حركة الكواكب· ولا يشعرون أن أي اختلال مهما كان بسيطاً في هذه المقاييس سوف يشكل خطراً حقيقياً على الحياة· إن ما ذكرناه حتى الآن ليس إلا جزءاً من بلايين المقاييس الدقيقة الموجودة على سطح الأرض، ولكنه كاف لتبيان الحقيقة الواضحة التي تقول: إن كل ما في الكون من صنع الخالق ·
اذن لا تتجاهل أن هذه التوازنات الدقيقة ، لا يمكن أن يظهر عن طريق المصادفة، وأن الله العظيم فقط هو القادر على خلق هذا النظام ·
.4.روعة السلوك الحيواني، المجلة الجغرافية، 1972، ص 59.
5. العلوم الحديثة، إيوغان بوتابوف، كيف يعيش السمندر في عمق الجليد، عدد 139، 11إيلول، 1993 ص 15.
6. مجلة العلم والتقنيات، تشرين أول 198، عدد 239 ص 10
7. مجلة العلم والتقنيات، الإصدار 20، عدد 231، شباط 1987، ص 11.
8. لورانس ريتشارد، هذا لا يمكن أن يحدث، ص 108
9. موسوعة غورسيل للعلم والتقنيات، الإصدار 3، ص 782.
10. موسوعة غورسيل للعلم والتقنيات، الإصدار 3، ص 784.
11. موسوعة غورسيل للعلم والتقنيات، الإصدار 7، ص 2352.
12. المجلة الجغرافية ، حزيران، العدد 6، الإصدار 187، ص 50.
13. موسوعة غورسيل للعلم والتقنيات، الإصدار 8، ص 2660.
14. دافيد أتتينبرو، حياة الطيور، برينستون، نيوجيرسي: مطبعة جامعة برينغتون 1998، ص 59.
15. بيير غراسييه، تطور الأحياء، نيويورك: المطبعة الأكادمية 1977، ص 103.