بقلم : هارون يحــــيى
ما يتبادر عادة إلى الذهن عند ذكر القيادة هم لاعبو كرة القدم الذين يربحون المباريات ويستخدمون المهارات الشخصيّة، وكذلك المُدراء الذين يشتغلون مع موظفيهم و الذين يحقّقون أرباحًا كبيرة للشّركات من خلال إنشاء روح الفريق الجيّدة وزيادة الإنتاجية.
على الرغم من أن القيادة كان متعارف عليها منذ وقت مبكر جدّا، فقد أصبح هذا الموضوع من أكثر المواضيع مناقشة في السّنوات العشر الأخيرة على وجه الخصوص، بل أصبح يتمّ تدريسه في الجامعات.
يتميز القادة عن الإداريّين بعدة سمات؛ ففي حين يقوم المدراء بتطبيق قواعد ومبادئ وُضعت لهم مسبقًا، يقوم القادة بصياغة رؤية أوسع للقواعد الواجب تطبيقها. القادة يكونون منفتحين على التّواصل والأفكار والتّغيير؛ بالنسبة لهم، ما يفعلونه ليس مجرّد هواية، بل هو أقرب إلى قضيّة. لديهم زملاء وفرق عمل من أجل تحقيق هذه القضايا. فهم يقودون جهود زملائهم نحو أهدافهم من خلال استمرار رفع معنوياتهم وزيادة حماسهم، فالقادة هم مصدر سرور لأولئك الذين هم من حولهم، فهم محترمون وجادّون وكُرماء.
يمتلك القائد في كثير من الأحيان القيم والفضائل الأخلاقية النّبيلة. القائد يتّصف دائمًا بالعدل والرّحمة، ويكون دائما قادرًا على التأثير في المحيطين به من خلال شخصيّته الكاريزميّة، وليس لديه أي تردّد في تبادل الأفكار مع النّاس. يعتبر ذو شخصية صلبة ولديه عزيمة لتحقيق الأهداف. ويكون صاحب شخصية حازمة، ولا تستطيع العقبات والأزمات أن تعرقله، يكون دائما مفكّرا إيجابيّا، ويشجع على التّغيير والتّطوير المستمر كما أنّه لا يقع فريسة للعقبات، بل يخلق الحلول ويوجدها، ويكون لديه رؤية واسعة، ويرى الأشياء بشكل مختلف عن أولئك الذين من حوله، ولديه القدرة على بناء تحليلات دقيقة.
تحتاج الدّول إلى قادة تمامًا كما هو الحال في فرق كرة القدم أو الشركات. ومع ذلك فلم يوجد زعيم مناسب للعالم العربي والإسلامي منذ مائة عام تقريبا. معظم الرؤساء في دول العالم الإسلامي يظهرون فقط بصورة رسمية شعائريّة، ولا يمتلكون القدرات القياديّة الحقيقيّة. وأولئك الذين هم أفضل قليلا يعملون في السّياسة، وهم منشغلون بالخدمة المدنية، ويحاولون التعامل مع الأزمات قدر المستطاع، والواقع أننا لا يمكننا الإقرار في الوقت الحالي بوجود أيّ حاكم عربي لديه نجاح حقيقي في ذلك.
يصارع العالم الإسلامي ضدّ الحروب الأهليّة والفقر والتخلّف. وهناك نقص كبير في خلق الفنانين والعلماء في البلدان الإسلامية، كما أن هناك عجزًا كبيرًا في التحكم في الاقتصادات الوطنية، في حين ينتشر الفساد والرّشوة والاستغلال في جميع مناحي الحياة. لقد تحوّلت الدول العربية والإسلامية مسرحًا للصّراعات والحروب بدلاً من أن تكون واحة للسّلام والرّفاه؛ معارك وصراعات لا تنتهي بين الأشقاء، وانقسامات وعداوات بعضها يمتد لقرون ماضية، وللأسف المسلمون غير قادرين حاليا على التوحّد صفا واحدًا.
قبل 1400 سنة مضت سادت حالة مماثلة في شبه الجزيرة العربية بأكملها، كانت هناك شخصيّة فذة تحمل جميع سمات الفضيلة كما جمعت بين كل سمات القيادة فحررّت الناس ليس فقط في شبه الجزيرة العربية، بل في مناطق واسعة جدًّا من الكرة الأرضية. هذه الشّخصية كانت بالطبع شخصيّة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم. تمامًا مثل غيره من الأنبياء، عمل على حلّ جميع المشاكل الاجتماعية في زمنه من خلال المنظور القرآني، ومن خلال تجسيده لنموذج القيادة و الإدارة الناجحة.
ينبغي على المسلمين اليوم تعلّم القيم الأخلاقية لنبينا عليه الصلاة والسلام، وكيف أنه تصرف بحكمة في جميع الظّروف الصّعبة. يجب أن نسعى إلى أن نكون مثله ونقتفي أثره باعتباره نموذجًا يُحتذى به في التّقوى والإخلاص والنّقاء والتّواضع والنّظافة والإيمان. نلاحظ اليوم أن أكثر الناس يقلّدون المشاهير من الشّخصيات مثل الفنّانين والرّياضيين، ويعملون على التصرف والتحدث مثلهم؛ وعلى الرّغم من أن بعض هؤلاء المشاهير قد يمتلكون خصائص جيّدة وصفات خيرّة، لكن الأنبياء هم من ينبغي علينا أن نسعى إلى الاقتداء بهم .
ذكر الله سبحانه وتعالى في آيات القرآن الكريم أهمية الإيمان به وبرسوله، وأهمية اتباع رسوله، وقال إنّ أولئك الملتزمين بمنهجه هم النّاجون. " لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا". (سورة الفتح، 9)
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَـالَّذِينَ آمَـنُواْ بِهِ وَعَـزَّرُوهُ وَنَصَــرُوهُ وَاتَّبَعُــــواْ النُّــورَ الَّذِيَ أُنــزِلَ مَعَـهُ أُوْلَئِكَ هُـمُ الْمُفْلِحُــونَ."( الأعراف,157).
عندما يُخلص المسلمون في دعائهم لله تعالى من أجل حل مشاكلهم وكشف الضر عنهم وتخليصهم من المصائب التي تحل بهم من حروب وصراعات ونظم إلحادية فلا شك أن الله تعالى سوف يكشف عهم الضرّ ويستجيب لدعواتهم فتشرق شمس الأمل ويظهر نور الحياة السعيدة بعد طول انتظار.