هارون يحيى
واجهت تركيا محاولة انقلاب في يوم الجمعة، كانت أولى ملامح هذه المحاولة القبيحة هي غلق قوات الدرك (الجندرمة) لاثنين من جسور إسطنبول بواسطة الدبابات والشاحنات العسكرية. في الوقت نفسه، لوحظ الطيران المنخفض لبعض الطائرات في سماء أنقرة. وفي وقت لاحق، تم الاعتداء على مقر منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT) وعلى القوات المسلحة التركية، كما تم سد مداخل مطار أتاتورك في إسطنبول من قبل المدرعات. لم يستطع أي أحد أن يقول ما الذي يحدث حقًا حتى صدور تصريح رئيس الوزراء يلدريم على شاشة التلفزيون. وذلك حين سمى هذه السلسة من الأحداث بأنها "محاولة انقلاب"، والتي قامت بها مجموعة صغيرة مدسوسة في الجيش.
أدلى الرئيس أردوغان أول خطاب له عبر فيس تايم
تم احتجاز رئيس الأركان التركي كرهينة من قِبل المتآمرين، كما تم قصف مبنى البرلمان عدة مرات بواسطة الطائرات بينما كان نحو 150 نائبًا من مختلف الأحزاب السياسية بما في ذلك رئيس البرلمان في الداخل. بينما كانت الأحداث تتكشف بوتيرة متسارعة، استطاع الرئيس أردوغان الاتصال بقناة سي إن إن التركية - والتي تُعرف بأنها قناة ذات توجه مُعارض للحكومة بشكل عام - في منتصف الليل وألقى خطابه الأول للناس من خلال برنامج فيس تايم وتدفق الناس في الشوارع وفقًا لدعوته على الرغم من إعلان حظر التجول من قِبل المجلس العسكري (الخونتا). كتب أيضًا الرئيس أردوغان تغريدة: "أدعو الشعب إلى الخروج إلى الميادين والمطارات للوقوف مع الديمقراطية والإرادة الشعبية". كما شارك تغريدات من حسابات تويتر الرسمية للدولة أيضًا. ولم يعد جماهير شعبنا الشرفاء إلى ديارهم حتى بعد ظهر اليوم التالي، ولم يكن هدفهم التظاهر فقط ولكن أيضًا تقديم يد المساعدة لضباط الشرطة الشجعان والجنود الوطنيين لإحباط هذه المحاولة. في تلك الليلة اتحد كل المواطنين الأتراك، بغض النظر عن أعراقهم، كفريق واحد معًا ومنعوا مدبري الانقلاب من النجاح. يمكننا القول بأريحية بأن قومنا الشجعان هم من عرضوا حياتهم للخطر، وأحبطوا هذه المحاولة وتحولت هذه الليلة إلى عيد للديمقراطية كما ذكر رئيس وزرائنا يلدريم.
كيف وقفت وسائل التواصل الاجتماعي في وجه الانقلاب؟
بالرغم من أنه كان هناك حجب طوال ساعتين للحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن مجموع التغريدات التي تم نشرها يوم 16 يوليو بلغ 18 مليونًا و666 ألف تغريدة، أكثر من ثلاثة أضعاف ما يُنشر في يوم عادي. لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًا في إحباط هذه المحاولة. كان من الأسهل للناس أن يعلموا المواقع حيث كان المتآمرون وإلى أين يتوجهون لمساعدة الناس في أماكن تجمع قوات الانقلاب. عندما تم احتلال قناة التلفزيون الدولة التركية الرسمية (TRT) وقناة سي إن إن التركية من قِبل المتآمرين، تم إبلاغ الناس عن الوضع عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقاموا بإجراءات سريعة لمساعدة المحتاجين.
شيء آخر يستحق الذكر هو أن الناس تصرفوا كأنهم جسد واحد لحماية دولتنا، على الرغم من وجود وجهات نظر سياسية مختلفة، لقد كانوا موجودين كلما وأينما كانت هناك حاجة إليهم. من خلال تطبيق بيريسكوب (Periscope) وفيسبوك لايف، كان الناس والمؤسسات الإعلامية أيضًا قادرين على البث المُباشر للوضع في الشوارع، وبالتالي توفير معلومات دقيقة للجمهور على الفور. وكهدية من ترك تليكوم (أحد مُقدمي خدمة شبكة الهاتف المحمول في تركيا)، قدموا باقات بيانات إنترنت إضافية في الصباح لكل مُشترك.
لسنا الوحيدين الذين يُقرون بالأثر الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي في سحق محاولة الانقلاب في تركيا. قال آندرو سيليباك - مدير برنامج لدراسة وسائل التواصل الاجتماعي في جامعة فلوريدا - "ربما يكون تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي قد منعت الانقلاب من الحدوث". وبشكل مماثل، سلّم مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق كريس سويكر بدور وسائل التواصل الاجتماعي، وقال "مكن تويتر وأمثاله - من المنصات - أردوغان وأتباعه - بما فيهم العسكريين - من المقاومة والتصرف بشكل فعال".
كان التضليل متواجدًا مرة أخرى على جدول أعمال المحرضين
عندما تستمر الإجراءات لفترة أطول من المتوقع، يُصبح الناس أكثر عرضة للاستفزازات، ووسائل التواصل الاجتماعي تبدو أسهل طريقة لإدارة مثل هذه الأحداث. للأسف، كان التضليل في وسائل التواصل الاجتماعي أحد العوامل الرئيسية التي حرضت على الاشتباكات خلال تظاهرات جيزي بارك التي جرت منذ ثلاث سنوات. وبالمثل، في 16 يوليو/تموز، صباح اليوم التالي لمحاولة الانقلاب، تم نشر العديد من المعلومات المُلفقة في وسائل التواصل الاجتماعي مرة أخرى لإثارة الرأي العام، تمامًا مثلما حدث أثناء احتجاجات جيزي بارك. والواقع أن هذه الليلة لا يمكن نسيانها أبدًا مع ما حدث خلالها من مشاهد غير مُحببة والتصادم مع المتآمرين الذين يستهدفون المدنيين. كان ينبغي أن يكون شعبنا في حالة تأهب نظرًا لخبرتهم المُكتسبة خلال احتجاجات جيزي بارك. على سبيل المثال فقد كان هناك عدد من المواضيع والصور المسروقة من محاولات انقلاب قديمة سابقة في بلدان أخرى، وتم إظهارها كما لو كانت قد حدثت في تركيا يوم 15 يوليو. انتشرت صورة الجندي الذي تم شق حلقه في كافة أنحاء وسائل التواصل الاجتماعي ولكن بعد وقت قصير تبين أن هذا الشخص نفسه كان مُعافى وعلى قيد الحياة، وأن تلك الصورة قد تم أخذها من حادث عسكري وقع عام 2006. تسمح وسائل التواصل الاجتماعي للناس من تبين الحقيقة وسط كل الأكاذيب والدعاية.
انتصار الشعب التركي ضد المتآمرين
شهدنا مرة أخرى تأثير التكنولوجيا الحديثة الحاسم عندما تُستخدم بطريقة إيجابية. منذ عقود مضت لم يكن الناس ليعلموا عن الأحداث الجارية خلال محاولات كتلك، أستطيع أن أقول هذا من البلد الذي خضع لانقلابات ومحاولات انقلاب كثيرة خلال تاريخه. الآن وبمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي كان الناس واعون جدًا للأحداث الجارية من حولهم، وكانوا يعرفون كيفية نشر ما يسمعون ويرون. زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات ستخوف أولئك الذين لديهم خطط سوء لمحاولات مستقبلية. شهدنا مرة أُخرى فوز الديمقراطية، كان السياسيون وقادة الأحزاب والمنظمات غير الحكومية والمواطنون العاديون جنبًا إلى جنب بصرف النظر عن وجهات نظرهم للعالم. على الجميع أن يدركوا أننا بلد متكامل بين الجنود الشجعان، وأمة لا تعرف الخوف، وضباط الشرطة الشرفاء. لن نترك أية دوائر خبيثة التفكير تسلب الديمقراطية التي نتمتع بها في أرضنا الجميلة.
http://www.sasapost.com/opinion/social-media-and-turkey/
http://www.harunyahya.com/en/Articles/225710/Social-medias-unexpected-role-in-Turkey-coup-attempt