منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، لم تتوقف تركيا عن بذل قصارى جهودها لتوضيح الحقيقة، المرة تلو الأخرى، لتبين للعالم وخاصة لأعضاء حلف الناتو، أن هذه الحرب تشكل تهديدًا لسلامة تركيا بقدر خطورتها على الشعب السوري. ومع احتدام الحرب واتساع رقعتها، أثبت الواقع أن مخاوف تركيا كانت في محلها ولها ما يبررها، واتضح أن حزب العمال الكردستاني -وهي جماعة إرهابية تقوم بأعمال عدوانية في الأراضي التركية منذ 40 عامًا، خلفت ما لا يقل عن مقتل 40 ألف مواطن تركي، وسعت إلى تأسيس نظام ستاليني في جنوب شرق تركيا- قد عزز جهوده وكثف من عملياته بالتزامن مع تصاعد الحرب. والجديد هذه المرة، أن تدريب المجندين في صفوف هذه الجماعة، يتم على يد مدربين محترفين، فضلا عن تزويدهم بالسلاح من الدول الغربية. وفي خضم تلك الأحداث، وقعت محاولة الانقلاب في 15 يوليو في تركيا في عام 2016 واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الجماعة الإرهابية (حركة غولن) FETO قدمت الدعم لحزب العمال الكردستاني.
لا تزال الولايات المتحدة حليفتنا، لكنها مع ذلك لم تكن في مستوى التوقعات، بحيث لم تسفر احتجاجات تركيا المستمرة عن أي نتائج في ظل تجاهل الولايات المتحدة هذه المطالب. ولا تزال المجموعة الإرهابية تخطط لاستخدام هذا الموقع الجديد للوصول بسهولة إلى أسلحة الدوائر الشيوعية، وتسعى إلى إقامة دولة دموية، لن تهدد تركيا فحسب، بل سيمتد تهديدها ليشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت إحدى القوى الحامية لها. وبعد انتظار طويل دون أن تتلقى أي رد على احتجاجاتها ومطالبها، لم يبق أمام تركيا خيار آخر، سوى تولي أمورها بيدها وشن حملة عسكرية في عفرين، البلدة التي شكلت مركز انطلاق الجماعة الإرهابية لتنسيق عملياتها والتخطيط لها. بدأت تركيا تنفيذ عملية عفرين وفق قرارات الأمم المتحدة 1624 (2005)، و2170 (2014) و2178 (2014) بشأن مكافحة الإرهاب والبند 51 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن الحق في الدفاع عن النفس. (1) وقد أبلغت تركيا جميع الهيئات والمؤسسات التي كان عليها إبلاغها وكذلك الدول المنتسبة إلى حلف الناتو والأمم المتحدة، بشأن هذه الحملة. وتم تحديد الهدف من وراء هذه الحملة، المتمثل في القضاء على تهديد PKK / PYD في المنطقة، الذي يزداد تعاظما وترسخا كل يوم. وقد أعربت تركيا، قبل وأثناء هذه الحملة، مرارًا وتكرارًا عن احترامها لوحدة أراضي سوريا وأكدت بقوة أن هدفها من الحملة ليس «احتلالًا» بأي حال من الأحوال. (2) وبدا واضحا أن الحملة تجري بمعرفة روسيا منذ البداية. في الواقع، كانت وحدة أراضي سوريا على الدوام تشكل نقطة حاسمة في المفاوضات التي جرت بين البلدين. علاوة على ذلك، صرحت السلطات التركية بوضوح أن جهاز المخابرات التركي MIT، على اتصال مستمر بالنظام السوري لضمان السلامة الإقليمية لسوريا. (3) وخلال العملية، أسقطت الطائرات التركية بشكل متكرر منشورات فوق قرى عفرين، تدعو فيها سكان عفرين إلى الوحدة وتطمئنهم، مثلما جاء في تلك المنشورات أن «عفرين هي ملك لأهل عفرين». (4) وكما هو معروف، فإن الحرب السورية، شهدت في جميع مراحلها استخدام الطائرات من قبل العديد من الدول المعنية بالأزمة، حيث قامت قوات التحالف، وخاصة المقاتلات الأمريكية، بشن ضربات جوية في سوريا طوال السنوات السبعة الماضية، والأمر كذلك بالنسبة لروسيا -راعي النظام السوري- التي تشن ضربات جوية، في حين يقوم النظام السوري بقصف المناطق المحتلة من قبل جماعات المتمردين جوًا. من نافلة القول إن تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، قادرة على تنفيذ حملتها باستخدام الطائرات المقاتلة فقط. ومن الواضح أيضا، أن حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي (PKK/PYD) لن يتمكن من الصمود أمام القصف الجوي أو الرد عليه، وبهذه الطريقة، يمكن تطهير عفرين من الجماعات الإرهابية في غضون أيام، إن لم يكن ذلك في غضون ساعات، وزيادة على ذلك فإن مثل هذا الخيار سيجنب الجيش التركي أي خسائر، لكن رغم ذلك، في الوقت الذي يتم فيه تحرير هذه المقالة، تحصي تركيا 43 شهيدًا في عفرين وتتلقى في كل يوم، أخبارًا عن شهداء جدد، والسبب هو أن الحملة برية، تجري وقائعها على الأرض إلى حد كبير، والهدف الأساسي من ذلك، هو تجنب وقوع إصابات بين المدنيين. لقد أكد الجيش التركي للعالم بوضوح أن جميع الأهداف يتم فحصها بدقة قبل قصفها، وأكد على أن الأهداف الإرهابية وملاجئهم ومواقعهم وأسلحتهم ومعداتهم، هي وحدها التي تم تدميرها وأن الجيش التركي يتحلى بـ»أقصى قدر من العناية والحيطة»، من أجل عدم إلحاق الضرر بالمدنيين والبيئة. وفي نفس الوقت، لم يستهدف أيًا من المواقع الدينية والثقافية والتاريخية والأثرية، وكذلك المرافق العامة، منذ بداية هذه العملية. (5) طوال هذه السنوات السبعة من الحرب السورية، دأبت تركيا على حماية المدنيين داخل الحدود السورية وخارجها، بكل عزم وصرامة. ولا مناص في هذا الصدد، من التذكير بأن تركيا هي التي رحبت باللاجئين السوريين، الذين طردتهم سلطات دول الاتحاد الأوروبي من مياهها الإقليمية، وحاصرتهم خارج حدود بلدان الاتحاد الأوروبي، خلف سياج من الأسلاك الشائكة.
كان متوقعا من كتاب الأعمدة مثل روبرت فيسك، المعروف بمقته لتركيا، أن يتصدروا واجهة هذه الحملة. يستند مضمون مقالة فيسك التي نشرتها صحيفة الإندبندنت، بشكل كامل على المعلومات المضللة.
في ضوء كل هذه التفاصيل، من المهم طرح السؤال التالي: ما الذي ستفعله الدول الغربية لو كانت تلك الدول في موقع تركيا الحالي؟ وهل كانت ستجلس مكتوفة اليدين تشاهد أكبر مجموعة إرهابية في العالم وهي تعمل على قدم وساق لبناء دولة على طول حدودها؟ أم كانت ستدمر المنطقة بالكامل في غضون بضع ساعات باستخدام مقاتلاتها النفاثة؟ أم أنها كانت ستفعل كما فعلت تركيا وتشن حملة برية مدروسة بعناية تراعي فيها أرواح المدنيين الأبرياء، لعدة أشهر، حتى ولو كلفها ذلك خسائر وتكاليف باهظة؟ دعونا نجيب على هذا السؤال، من خلال نقل ما صرح به الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين الذي قال فيه «إن عملية عفرين تمثل اختبارًا يضع صدق الدول الغربية على المحك».