قام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة مفاجئة لأنقرة في 28 سبتمبر/أيلول، ووضع توقيعه على قرارات مهمة تتعلق بمستقبل المنطقة، في ختام مناقشة ثنائية أجراها مع الرئيس أردوغان، لم تكن هذه الزيارة "الاستثنائية" مبرمجة، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام الروسية، لكن نظراً للتطورات المتسارعة الجارية في الشرق الأوسط، قبل الرئيس بوتين دعوة الرئيس أردوغان للتشاور معه بشأن آخر الأحداث من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية في الوقت المناسب.
وعقب اجتماعهما أصدر الرئيسان أردوغان وبوتين بياناً صحفياً مشتركاً في أنقرة، وكان واضحاً أن كلا الزعيمين سعيد بما تم إنجازه خلال ذلك الاجتماع، وفق ما جاء في خطابهما الإيجابي ولغة نصه الواثقة.
ووفقاً لما ذكره تلفزيون إن تي في الروسي، فقد خاطب الرئيس أردوغان نظيرَه الروسي بوتين مستعملاً عبارة "صديق" ثماني مرات في المؤتمر الصحفي، وتم نقل هذا الخبر باعتباره خبراً عاجلاً، من جهته أشار بوتين إلى أردوغان كـ"صديق" عدة مرات في مبادلته التحية، وكان هذا الاجتماع الثنائي، الخامس من نوعه في غضون سنةٍ واحدةٍ، إلى جانب العديد من المكالمات الهاتفية التي تمت بينهما لتقييم الوضع.
وكانت محادثات أستانا إحدى أهم نتائج الشراكة بين البلدين.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، اتفق الرئيسان على اقتراح أستانا، بوصفها الموقع الجديد لمواصلة محادثات السلام السورية، باعتبارها مكملة لمحادثات جنيف، ورغم تعارض موقفهما بشأن الحرب السورية، أصبح الطرفان إلى جانب إيران، الوسيلة الناجعة المؤدية إلى طريق السلام.
وفي الجولة السادسة من محادثات أستانا في منتصف سبتمبر، اتفقت البلدان الثلاثة على إضافة منطقة رابعة إلى مناطق وقف التصعيد: محافظة إدلب.
وفقاً لوزير الخارجية، فإن مهمة المراقبين تتمثل في منع الاشتباكات بين "النظام وقوات المعارضة، ومنع أي انتهاكات للهدنة".
وكان من الأهمية القصوى في نظر البلدان المعنية إنشاء منطقة رابعة لوقف التصعيد، بسبب عوامل مختلفة، أولها، أن إدلب -التي لها حدود مع تركيا- تُعد موطناً للعديد من الجماعات المسلحة، بما في ذلك تلك التي جاءت من مدينة حلب.
وبموجب الاتفاق المبرم في أستانا، يجب احتواء الجماعات المسلحة الراديكالية في منطقة وسط إدلب، مما يحول دون تقدمهم باتجاه الحدود التركية، في حين يتم نشر القوات الروسية وقوات الشرطة التابعة للزعيم الشيشاني قاديروف في الجزء الشرقي من إدلب، وتتمركز القوات التركية في الجزء الغربي من أجل الحفاظ على الاستقرار في المحافظة.
وبما أن الاتفاق يدعو إلى "إيصال المساعدات الإنسانية بشكل مستعجل وآمن وبدون عوائق"، سيستمر تدفق المساعدات الإنسانية الدولية عن طريق مناطق يقطنها حوالي 5 ملايين شخص، تشمل مناطق وقف التصعيد الأربعة.
وأثبت القادة عزمهم على دعم الوحدة الإقليمية لسوريا من خلال محادثات أستانا. وفيما يتعلق باستفتاء بارزاني الذي اعتُبر غير شرعي، بالنسبة لدستور الحكومة المركزية العراقية والقانون الدولي، توصل الطرفان إلى نتيجة تقضي بضمان الحفاظ على سلامة الوحدة الإقليمية لأراضي العراق، ورغم توجيه الدعوة من حكومات بغداد وأنقرة وطهران، إلى بارزاني لإلغاء الاستفتاء حول الانفصال، إلا أن بارزاني أصر على المضي قدماً نحو صناديق الاقتراع متجاهلاً هذه المقترحات.
وبعد الاستفتاء غير الشرعي، اتخذت الدول المجاورة تركيا والعراق وإيران بعض الخطوات، من جملتها حظر دولي على الرحلات الجوية إلى أربيل وإغلاق بعض الحدود.
ومن المواضيع المهمة الأخرى التي نقلتها وسائل الإعلام الدولية، قضية شراء تركيا لصواريخ S-400 من روسيا، وقد أثارت هذه الهدنة العسكرية قلق الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، التي اعتبرت موقف تركيا -وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي- تحول من القطب الغربي نحو روسيا، غير أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية أجنس رومات أسباجن قالت: إن "شراء المعدات العسكرية من قِبل تركيا هو خيار سيادي لا يحتاج إلى تعليق من قِبَل أعضاء الحلف الأطلسي".
وبينما يفسر بعض المحللين الغربيين هذا القرار باعتباره قراراً سياسياً وكذلك قرار عسكري، فإن هذا القرار مهم وحاسم بالنسبة لتركيا التي تعرضت لتهديد من قِبل بعض الدوائر، مثلما بدا واضحاً من خلال محاولة الانقلاب الدموي في 15 يوليو/تموز من العام الماضي.
وقد نالت عملية التفاوض السريعة، التي استمرت نحو 10 أشهر، رضا روسيا أيضاً. والآن، بعد أن دفعت تركيا المبلغ مقدماً، فهي ترغب في تسلّم صواريخ S-400 في أقرب وقت ممكن للدفاع عن بلادها ضد التهديدات الإقليمية، وستكون هذه الصواريخ بمثابة رادعٍ ضد أولئك الذين يريدون تفكّك تركيا ووسيلة لصد هجماتهم.
تحتاج المنطقة إلى تحالفٍ بين تركيا وروسيا مع إيران، خاصة أن هذه الرابطة أثبتت قوتها وتصميمها من خلال اتخاذ تدابير قوية لتحقيق السلام في سوريا، ومنع الهجمات المحتملة ضد قطر، وتسعى الآن جاهدة لوقف الاضطرابات في العراق.
وهناك الكثير من الأطراف، التي تعمل خلف الأبواب الموصدة، لجني ثمار وتحقيق مصالح خاصة عن طريق التخطيط سراً لوقوع اشتباكات جديدة في الشرق الأوسط، ومثل هذا الاتحاد فقط قادر على وضع حد لهذا الصراع الدامي إذا ما استمر في العمل كجدارٍ صلبٍ وحصنٍ منيعٍ.
http://www.huffpostarabi.com/haron-yahia/-_13599_b_18185840.html