خلق الإنترنت عالمًا جديدًا ذا ثقافة ونموذج اقتصادي فريد. ومر كل شيء، بدءًا من مجال الأعمال ومرورًا بالحياة الاجتماعية والتعليم وحتى التقاليد، من خلال عتبة تغيير كبيرة مع انتشار استخدام الإنترنت ونموه. ويمكن القول باطمئنان إن الإنترنت بدأ فترة حضارية جديدة تمامًا من تاريخ البشرية، إذ تهيمن في يومنا هذا بصورة أساسية التكنولوجيا المرتبطة بالإنترنت في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا تقريبًا، وتقدم إلينا مميزات وإمكانات لا تُعد ولا تحصى.
بيد أن هناك جانبًا أكثر ظلمة يتعلق باستخدام الإنترنت الآخذ في النمو. ومع مشاهدة الإمكانات التي يقدمها الإنترنت، بدأ المجرمون في استخدام الصدوع والثقوب التي خلقها النظام الجديد ليأخذوا أنشطتهم غير القانونية نحو مستوى جديد كليًا. فالسرعة التي تميزت بها الاتصالات والإمكانات التي أتاحها الإنترنت أعطت المجرمين مزيدًا من المرونة والقدرة على الوصول، وأتاحت لهم أن يعملوا على مستويات دولية. ومن خلال الحصول على الأموال من أشخاص مجهولي الهوية عبر الإنترنت، نفذ هؤلاء عددًا كبيرًا من الأنشطة غير القانونية، وفي معظم الأوقات نجحوا في تجنب إلقاء القبض عليهم عن طريق ضباط إنفاذ القانون.
في يومنا هذا، يتصل 25 مليار جهاز بالإنترنت، ويعتقد الخبراء أن هذا الرقم سوف يصل إلى 32 مليار بحلول 2020. يبدو الاستخدام الذي خلقه هذا الكم من الاتصال كبيرًا لدرجة أن كل يوم يشهد إرسال 4 مليارات مستخدم لـ 200 مليار رسالة بريد إلكتروني ويجرون 5 مليارات عملية بحث وينشرون 600 مليون تغريدة. وفي فترة مداها 24 ساعة، تُرسل وتستقبل من خلال الإنترنت كمية معلومات تعادل أربع مليارات جيجابايت.
ومع هذا، تمنح هذه الإمكانات الهائلة مجرمي الإنترنت مخرجًا آمنًا. يقول الباحثون إن الإنترنت الذي يدخله الجمهور تصل نسبته إلى 4% من الإنترنت. بعبارة أخرى، يتكون 96% من الإنترنت من محتوى غير مُدرج ضمن عدسات محركات البحث، التي على شاكلة جوجل. تسمى هذه الشبكة الهائلة التي لا يمكن الوصول إليها «الشبكة السوداء»، غير أنها ليست بالضرورة إجرامية على الدوام. تتكون هذه الشبكة عادة من كمٍ كبير من البيانات التي تنتمي إلى أفراد وشركات ومن ثم لا تكون مرئية لعدسة محركات البحث. والأكثر من هذا أن تفاصيل الحسابات البنكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومحتوى واتساب، وأشياء أخرى أيضًا تسهم جميعها في وجود الشبكة السوداء. يمكن أن يفكر المرء في هذه البيانات كما لو أنها جزء من جبل جليد يقترب من السطح.
غير أن جزءًا كبيرًا من نسبة الـ 96% تستخدم في أغراض إجرامية. وتسمى هذه المنطقة الشبكة السوداء، ولا يمكن الدخول إليها إلا من خلال متصفحات خاصة. وفي هذا العالم المظلم الذي يهيمن عليه المجرمون والقراصنة ومهربو المخدرات، يحدث كمٌ من الأنشطة غير القانونية دون رادع لها، بدءًا من مبيعات الأسلحة والمخدرات غير القانونية، ومرورًا بخدمات تزوير المستندات، والإعلانات عن القتلة المحترفين والمعلومات عن كيفية ابتزاز وتشويه سمعة الأشخاص أو المنظمات أو كليهما. وعلى سبيل المثال، يوجد نوع جديد من البرامج تسمى البرمجيات الابتزازية تقدَّم من خلال الشبكة السوداء لاعتراض البيانات الخاصة بالشركات. وعندما يخطط قراصنة لسرقة شركة، فإنهم يطلبون فدية من أجل الإفراج عن هذه البيانات وإعادتها إلى المالك الأصلي.
في عام 2013، اكتُشف موقع يُسمى Silk Road على الشبكة السوداء، وهو عبارة عن سوق مخدرات محظور يتقابل من خلاله التجار والمشترون، ويتشاركون الرؤى ويعلقون على مشترياتهم، وما إلى ذلك، مثله مثل أي متجر إلكتروني عادي. ولكن على الرغم من أن السلطات أغلقته، لم يكن الأول ولا الأخير من هذه البؤر الإجرامية. وفي واقع الأمر، اكتُشفت 85 منصات بيع مخدرات على الشبكة السوداء وتوصل الخبراء إلى أن أكبر أربع منصات منها استكمل 1,500,000 صفقة مخدرات.
تُستخدم الشبكة السوداء غالبًا في أنشطة أكثر شرورًا مثل الاعتداء الجنسي على الأطفال. ضمت مجموعة Elysium المهتمة باستغلال الأطفال جنسيًا -واكتشفتها الشرطة الألمانية منذ فترة ليست بعيدة- 87,000 عضو من جميع أنحاء العالم. فيما ضمت مجموعة أخرى مشابهة تسمى Playpen، واكتشفها مكتب التحقيقات الفيدرالي، 150,000 عضو.
تتبع سلطات إنفاذ القانون في الغالب تحركات الأموال من أجل القبض على المجرمين، ولكن مع مجيء العملات الرقمية المشفرة مثل بيتكوين، يبدو أن هذا لم يعد ممكنًا. وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، تقترب كُلفة جرائم الإنترنت على الاقتصاد العالمي من 500 مليار دولار سنويًا.