دروس معاصرة من حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
ucgen

دروس معاصرة من حياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)

1382

كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) شخصية فذة بكل المقاييس، داخليًا وخارجيًا. فقد كان كريمًا، ولطيفًا، ومتواضعًا، ورحيمًا، وفطنًا بشكل لا يُصدق. ومع ذلك، وعلى الرغم من شخصيته الاستثنائية، تسببت بعض أعمال المتطرفين من المسلمين في رسم صورة خاطئة عنه، لدى الكثير من الأشخاص، المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. لذا، يُعد إظهار حقيقة شخصيته الرائعة، وحياته المثالية، وسيلة مهمة للقضاء على بعض المفاهيم الخاطئة. فقد عاش حياته صلى الله عليه وسلم بالكامل على منهاج القرآن، ومن ثم أصبح بطبيعة الحال مثالاً حيًا للتسامح والحب والرحمة.

لكي نعطي شخصية النبي (صلى الله عليه وسلم) الودودة الرحيمة حقها في الشرح، فقد نضطر لفرد مجلدات من أجل ذلك، لذا اكتفينا بتقديم مثالين عظيمين لتوضيح بعض الجوانب في حياته الكريمة.

بعد أن قضى النبي (صلى الله عليه وسلم) ستة أعوام في المدينة المنورة، قرر الذهاب إلى مكة لأداء العمرة. ولمكة مكانة خاصة في قلب النبي (صلى الله عليه وسلم)، فهي الأرض التي نشأ وترعرع فيها، وهي البلدة التي تعيش فيها قبيلته التي هاجر منها، بعد أن أذاقوه وأصحابه أقسى أنواع الاضطهاد لأكثر من عشر سنوات. ومع ذلك، عارضت قبيلة «قريش» التي تحكم مكة -والتي عُرفت بعداوتها وكراهيتها للنبي- هذه الفكرة على الفور. وبعد سلسلة من المفاوضات، توصل الطرفان إلى اتفاق عُرف «بصلح الحديبية».

كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في ذلك الوقت، واحدًا من أقوى الشخصيات في شبه الجزيرة العربية، فكان لديه قوة عسكرية كبيرة تحت قيادته، باستطاعتها أن تنتقم مما لحق بأتباعه من تعذيب في الماضي. ومع ذلك، غضب أصحابه غضبًا شديدًا عندما فوجئوا بموافقته على شروط التسوية المجحفة التي وضعتها قريش. فعلى سبيل المثال، اعترض القرشيون على تسمية النبي في وثيقة الصلح «محمد رسول الله»، واستبدلوا بها «محمد بن عبدالله». كما رفضوا أن يؤدي النبي (صلى الله عليه وسلم) ورفاقه مناسك العمرة هذا العام، على أن يعودوا في العام التالي لتأديتها. وفي خضم ذلك، لم يفهم كثير من أصحاب النبي مغزى هذه الأحداث في ذاك الوقت، فقد كان اختيارا مدروسًا بعناية، ألا تُستدرج قافلة العمرة إلى العنف، في الوقت الذي كانت تتمتع فيه بالقوة التي تمكنها من القيام بعكس ذلك. ولكن في النهاية، ثبت أن قرار النبي الذي اتخذه كان صائبًا، وكان سببًا في تحقق النصر المبين، من خلال الطرق السلمية والدبلوماسية، بدلاً من استخدام القوة.

وعلى الرغم من ذلك، عندما خرقت قريش معاهدة الصلح فيما بعد، وهاجمت إحدى القبائل التي دخلت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، جمع النبي محمد (صلى الله وعليه وسلم) جيشًا قوامه 10 آلاف رجل، وبدأ الزحف إلى مكة.

أصاب الرعب مكة قاطبةً، فلم يكن من بد من التراجع عن القتال، وتذكروا حينها جميعًا، كيف عذبوا المسلمين واضطهدوهم، فقد استشهد كثير من الصحابة الكرام على مر السنوات السابقة، وعُذِّب آخرون كثر من الرجال والنساء وصادروا أملاكهم وثرواتهم. كان بإمكان جيش المسلمين المكون من 10 آلاف جندي أن يبيد مكة عن بكرة أبيها، وينتقم لكل الشهداء، ويصادر ثروات تلك البلدة كلها، إلا أن ذلك لم يحدث، فقد أعلن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في مشهد مذهل من التسامح المطلق، أنه عفا عن جميع أعدائه السابقين، وأعلن صفحه الكامل عن الجميع. كما أكد (عليه الصلاة والسلام) أن لا إكراه لأحد على اعتناق الإسلام.

يعد هذا الموقف درسًا عظيمًا لعالمنا المعاصر، إذ لا يجب أن ندع الآلام والمحن والرغبات الشخصية تتحكم فينا، فزيادة الخير والسلام والمحبة أكثر أهميةً من أي شيء، ويجب أن يكون القرار المُتخذ في جانب السلام في كل مرة، بغض النظر عن مدى إغراء وسهولة الخيارات الأخرى.

كما يعد ذلك أيضًا ردًا مثاليًا على أصحاب المفاهيم المغلوطة أو ذوي الآراء المتحاملة ضد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). فقد أظهر النبي قدرًا غير مُتصور من الرحمة والتسامح. فكان خروجه عليه الصلاة والسلام إلى الحرب في كل مرة هو للدفاع عن النفس، ولم يحدث قط أن حرض على عداء أحد، ولم يسع للانتقام لنفسه على الإطلاق. تلك هي النقطة التي يجب على أولئك الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم، وينفذون التفجيرات الانتحارية باسم الدين أن يتذكروها جيدًا.

من الضروري أن يتوقف المسلمون عن تصديق القصص المكذوبة عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي رُوجت مؤخرًا لتبرير العنف فحسب. فقد كان نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) دائمًا ما يختار طريق المودة والتسامح والكرم، بغض النظر عن الملابسات، لأنه كان دائمًا يسير على منهج القرآن.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1077377

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo